ما يتعرَّض له كلُّ إنسان مِن الشعور بالضعف والحاجة إلى النصير،إلى
معين في الأوقات الصعبة التي يمر بها بعدما يبتعد عن توجيهات وإرشاد الدين له ويعيش في حيرة وظنك (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا )) وذلك هو مظهرُ عبودية الإنسان لله تعالى دائما الله هو القوي ونحن الضعفاء ، فمن كان الله رفيقه ومعه فلا يخاف.
فالإسراء والمعراج دعوة إلى الصعود …طلبا للإمداد ومناسبة روحية لكل من ضاقت به الدنيا يجد فيها الشفاء والعلاج كما حدث لنبينا صلى الله عليه وسلم . إذ كان النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – قد عرَج به إلى السموات العُلَى، فلديك معراجٌ رُوحيٌّ تستطيع أن ترقَى به إلى ما شاء
الله – عزَّ وجلَّ – بواسطة الصلاة، هديَّة الإسراء والمعراج، يقترب مِن ربِّه في سجوده، ويتلو كلامَه في قيامه، ويردِّد أسماءه، ويُكبِّر ويسبح باسمه – عزَّ وجلَّ.
إذا كان مهمومًا تسقط عنه همومُه بين يدي ربه – عزَّ وجلَّ – ولو كان له حاجة يسأل ربَّه فيعطيه، يوفِّقه ويسدِّده ويأنس به، وهذا يتكرَّر كلَّ يوم مرَّات.
“مَن أحبَّ تصفية الأحوال فليجتهدْ في تصفيةِ الأعمال؛ قال الله – عزَّ وجلَّ -:﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ﴾ [الجن
وهذه السنة جاءت مصاحبة لوباء كورونا فمن من فقد عزيزا أو أخا كريما أو زوجا أو أبا والظروف المحيطة بنا فنحن أحوج ما نكون بالوقوف على دروس وعبر وكيف نتجاوز المحن والإحن كما تجاوزها صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب )
قصَّ الله – عزَّ وجلَّ – علينا في سورة الإسراء رحلةَ المصطفى – صلَّى الله عليه وسلَّم – وتكريمه؛ قال تعالى: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء:
كانتْ هذه الرحلة العظيمة معجِزةً مِن معجزات رسولنا – صلَّى الله عليه وسلَّم – أراه الله – عزَّ وجلَّ – فيها آياتٍ باهرة، ولقدْ كان في هذه الرِّحلة دَلالات وإشارات ودروس، منها:
بعد كل مِحنة مِنحة:
النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – بعد فقْده لعمِّه الناصر له، وزوجه الكريمة المُعينة الصابرة، التي كانت الأمَّ والزوجة والأخت، فقَدَ جانب القوة في غياب عمِّه وفَقَد الذي كان يدفَع عنه أذَى صناديدِ قريش، وبفقد زوجته فقَدَ القلْب الحنون الذي كان يهدهد عليه، تأثَّر النبي – صلَّى
الله عليه وسلَّم – تأثرًا شديدًا، وسُمِّي هذا العام في حياته بعام الحزن.
تجرَّأ كفَّار قريش على إيذائه – صلَّى الله عليه وسلَّم – فخرَج للطائف يدْعو أهلها إلى الإسلام، لكن بلا جدْوى، بل وجد إيذاءً شديدًا، وحدَث هنالك ما حدَث، ورُوي أنه قال: (( اللهمَّ إليك أشكو ضَعْفَ قوَّتي، وقِلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحمَ الراحمين، أنت ربُّ المستضعفين وأنت ربي، إلى مَن تَكلني؟ إلَى بعيدٍ يتجهَّمني؟ أم إلى عدوٍّ ملَّكْتَه أمري؟ إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أُبالي، ولكن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقتْ له الظلمات، وصلح عليه أمرُ الدنيا والآخرة، مِن أن تُنزل بي غضبَك، أو يحلَّ عليَّ سخطك، لك العُتبى حتى ترضى، ولا حولَ ولا قوَّة إلا بالله))
فجاء التكريمُ الإلهي لرسولِ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم.
ولقدْ ظهر في دعائه الذي ناجَى به ربَّه – عزَّ وجلَّ – بعد أنْ جلَس يستريح في بستان ابني ربيعة ما يتعرَّض له كلُّ بشر مِن الشعور بالضعف والحاجة إلى النصير، وذلك هو مظهرُ عبودية الإنسان لله تعالى.
وظهَر في التجائه ذلك شيءٌ مِن معنى الشكاة إليه – سبحانه وتعالى – والطمع منه في عافيته ومعونته، ولعلَّه خشِي أن يكونَ الذي يلاقيه إنما هو بسببِ غضبٍ مِن الله عليه لأمرٍ ما؛ ولذلك كان مِن جملة دعائه قوله: ((إنْ لم يكن بكَ غضب عليَّ فلا أُبالي))
فجاءتْ ضيافةُ الإسراء والمِعراج من بعد ذلك تكريمًا مِن الله تعالى له، وتجديدًا لعزيمته وثباته، ثم جاءتْ دليلاً على أنَّ هذا الذي يُلاقيه – عليه الصلاة والسلام – من قومه ليس بسببِ أنَّ الله قد تخلَّى عنه، أو أنه قد غضِب عليه، وإنَّما هي سنَّة الله مع محبِّيه ومحبوبيه،
بعد كل مِحنة مِنحَة:
هذا أمرٌ حقيقي ملموس، ولنتدبَّر قصَّة يوسف – عليه السلام – بعد إلقائِه في الجبّ، وبيعه بثمَن بخس، وصار عبدًا بعد أنْ كان حرًّا، واتهامه بالفحشاء، ثم سجنه أي أمَل بعد ذلك؟!
انقلبت المِحنةُ إلى محنة، وصار يوسف – عليه السلام – عزيزَ مصر، وجلس على عرْش مصر، وأجلس أبويه على العرش.
كان ذلك امتحانًا وابتلاءً مِن الله، رضِي بقضاء الله وصبَر؛ فتبدَّلتِ المحنة إلى منحة، وهذا هو المطلوب أن ترضى بقضاء الله، وتستسلم له صابرًا محتسبًا.
فمن تلمَّح بحر الدنيا، وعلم كيف تتلقَّى الأمواج، وكيف يصبر على مُدافعة الأيَّام، لم يستهون نزول بلاء، ولم يفرحْ بعاجل رَخاء.والقصص كثيرة، لكن تحتاج لمن يتدبَّرها ويتذكَّرها دائمًا.
وإنَّ في الاقتران الزَّمَني بين إسرائه – عليه الصلاة والسلام – إلى بيت المقدِس والعُروج به إلى السموات السَّبْع؛ لدلالة باهرة على مدَى ما لهذا البيت مِن مكانة وقُدسية عندَ الله تعالى، وفيه دَلالة واضحة أيضًا على العلاقة الوثيقة بين ما بُعث به كلٌّ مِن عيسى ابن مريم ومحمَّد بن
عبدالله – عليهما الصلاة والسلام – وعلى ما بيْن الأنبياء مِن رابطة الدِّين الواحِد الذي ابتعثَهم الله – عزَّ وجلَّ – به.
وفيه دَلالة على مدَى ما يَنبغي أن يوجد لدَى المسلمين في كلِّ عصر ووقت، من الحِفاظ على هذه الأرض المقدَّسة، وحمايتها من مطامع الدخلاء وأعداء الدِّين، وكأنَّ الحكمة الإلهية تهيب بمسلِمي هذا العصر ألا يَهِنوا ولا يجبنوا ولا يتخاذلوا أمامَ عُدوان اليهود على هذه الأرْض المقدَّسة، وأن يطهروها من رجسهم، ويُعيدوها إلى أصحابِها المؤمنين.
إنَّ الربط بيْن المسجد الأقصى، والمسجد الحرام وراءَه حِكم ودلالات وفوائد منها:
ـ أهمية المسجِد الأقْصى بالنسبة للمسلمين؛ إذ أصبح مسرَى رسولهم – صلَّى الله عليه وسلَّم – ومِعراجه إلى السماوات العُلى، وكان لا يزال قِبلتهمالأولى طيلةَ الفترة المكيَّة، وهذا توجيه وإرْشاد للمسلمين بأن يحبُّوا المسجد الأقْصى وفلسطين؛ لأنَّها مباركة ومقدَّسة.
ـ الربط يُشعِر المسلمين بمسؤوليتهم نحوَ المسجد الأقْصى ويشعِر بأنَّ التهديد للمسجد الأقصى، هو تهديدٌ للمسجد الحرام وأهله، وأنَّ النيل مِن المسجد الأقصى توطئة للنيل مِن المسجد الحرام، فالمسجد الأقصى بوَّابة الطريق إلى المسجد الحرام، وزوال المسجد الأقصى مِن أيدي المسلمين، ووقوعه في أيدي اليهود يَعني أنَّ المسجد الحرام، قد تهدَّد الأمن فيه،
والله – عزَّ وجلَّ – يُهيِّئ رسوله لمهمة عظيمة:
قال الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله تعالى -:
والله – عزَّ وجلَّ – يُتيح لرسله فرصَ الاطِّلاع على المظاهِر الكبرى لقدرته، حتى يملأَ قلوبهم ثقةً فيه، واستنادًا إليه؛ إذ يواجهون قُوَى الكفَّار المتألِّبة، ويهاجمون سلطانَهم القائم.
فقبل أن يُرسل الله موسى شاءَ أن يريه عجائبَ قُدرته، فأمره أن يُلقي عصاه، قال:﴿ قَالَ أَلْقِهَا يَا طه: 19 –
فلمَّا ملأ قلبه إعجابًا بمشاهد هذه الآيات الكبرى، قال له بعد: ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴾ [طه:
وقد علمت أنَّ ثمرة الإسراء والمعراج إطْلاعُ الله نبيَّه – صلَّى الله عليه وسلَّم – على هذه الآيات الكبرى فقد تكفَّل القرآن الكريم بإقناع أُولي النُّهى من أول يوم، وجاءتِ الخوارق في طريق الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – ضربًا مِن التكريم لشخْصه، والإيناس له، غير معكّرة، ولا معطلة للمنهج العقْلي العادي الذي اشترعه القرآن.
الإنسان عبارةٌ عن رُوح ومادَّة، والإسلام أعْطَى كل واحدة حقَّها دون أن تطغَى إحداهما على الأخرى.
هنالك مناهجُ وفلسفات وديانات تبالِغ في إرواء الإنسان مِن الماديات وتترك الرُّوح خاويةً.
ومناهج أخرى تبالِغ في إعطاء الرُّوح حقها، فتخرج عن جادَّة الحق والصواب والعقل.فالكثرة لا تُفيد إن لم تكن ذاتَ قِيمة، وثوابت تربَّت عليها، والرَّسول- صلَّى الله عليه وسلَّم – كان مُقدمًا على مرحلةٍ جديدة، مرحلة الهِجرة، والانطلاق لبناء الدَّولة، يريد الله تعالى لِلَّبِنَات الأولى في البناء أن تكونَ سليمةً قوية، متراصَّةً متماسكة، فجعل الله هذا الاختبارَ والتمحيص؛ ليخلِّص الصف من الضعاف المتردِّدين، والذين في قلوبهم مرَض، ويثبِّت المؤمنين الأقوياء الخُلَّص، الذين لمسوا عيانًا صِدق نبيهم بعد أن لَمَسوه تصديقًا، وشهِدوا مدى كرامته على ربِّه، فأيّ
حظٍّ يحوطهم، وأيّ سعد يغمرهم، وهم حول هذا النبي المصطفى وقدْ آمنوا به،
وقدَّموا حياتهم فداءً له ولدِينهم؟!
إذا كان النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – قد عرَج به إلى السموات العُلَى، فلديك معراجٌ رُوحيٌّ تستطيع أن ترقَى به إلى ما شاء الله – عزَّ وجلَّ – بواسطة الصلاة، هديَّة الإسراء والمعراج،
يقترب مِن ربِّه في سجوده، ويتلو كلامَه في قيامه، ويردِّد أسماءه،
ويُكبِّر ويسبح باسمه – عزَّ وجلَّ.
إذا كان مهمومًا تسقط عنه همومُه بين يدي ربه – عزَّ وجلَّ – ولو كان له حاجة يسأل ربَّه فيعطيه، يوفِّقه ويسدِّده ويأنس به، وهذا يتكرَّر كلَّ يوم مرَّات.
“مَن أحبَّ تصفية الأحوال فليجتهدْ في تصفيةِ الأعمال؛ قال الله – عزَّوجلَّ -:﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ﴾ [الجن: 16
بقلم الأستاذ/قسول جلول
باحث وإمام بمسجد القدس حيدرة