أيام مفعمة مع الراحل حسن حسني حين كنت أشتغل مع المرحوم الطاهر فضلاء،وكنت متعاوناً مع جريدة المساء .. وقد كلفني محمد الصالح حرز الله بإجراء دردشة مع بوبقرة .. وكنا جميعاً في صالون مسرح الهواة عام 1985.
كان المرحوم يسوق سيارته ذات الحصانين بجهد حتى يطأ شارع الشهداء،يتأبط صحيفة المجاهد،ويحدثنا بكل تواضع عن الزمن الجميل الذي قضاه في عالم التمثيل.
كنا نسمع له بشغف ونعاتب الزمن الذي يعاقب فنانيه الأصليين .. كان معي مصطفى البشير وباديس فضلاء ومحمد كشرود ومحمد الطاهر فضلاء،يجمعنا فضاء الإذاعة،وكنت أرتاح لهمهمات بوبقرة الذي كنت أستأنس لدردشاته التي كانت قريبة إلى القلب.
وكانت كطينة وادي جدي بحارتنا بسيدي خالد .. نهمل فيها الغين ونكسر الكلمات كقبائل العرب الأصيلة،ونسمع حنين النخل،وهو مزهو في ولجتنا يدندن مثل ابن خالتي اخليفي أحمد وهو يصدح قرب بيتنا بنغمات اي ياي،وقد رقصت كل القلوب في نشوة، وهي تردد طقطوقات الشيخ بن يوسف والسماتي وبن عزوز وبن قيطون.
كان خيال بوبقرة حاضراً برغم بعد المسافة، فهو تراث تلتقي فيه الجزائر، ويلتقي فيه سهل بني سليمان والبرواقية وبوسعادة وعين الملح وسيدي خالد وعين الريش وجبل بوكحيل وشوق وادي جدي لحيزية.
بوبقرة جمع هذا الصباح شتات الذاكرة،وأعادني إلى زمن الثمانينات حين لمست فيه نبرة عتاب وقد كان يطرق باب الإذاعة ولم يكن يحظى بحسن استقبال كبير كغيره من القامات الكبيرة .. كان يقول ذلك دون أسف، وقد سبقه في ذلك مفدي زكريا حين طرق باب الإذاعة، فقد قال لنا ذات يوم المطرب علي زبيدي:إن حال بوبقرة ومفدي زكريا سواء،فقد صحبت مفدي وعند باب الإذاعة قال لي الحارس من معك قلت له هذا شاعر الثورة. قال … لي: لا أعرفه.. فحبست أنفاسي وقلت له ذاك حال الجاهلين.
شرفت في حياتي بلقاء بوبقرة،وكان شرفاً عظيماً .. لقد رسم لي حلم الجزائر، وعلمني كيف أحبها بكل تواضع، وعلمني كيف نحب الناس، وغرس فيّ شجرة الأمل حيث أينعت وتضوعت عطراً، فكن زكياً كقارورة حب يزهو بها كلما أعاد شتات الذاكرة.
بقلم : محمد لوباشرية
=========================