كثر الحديث في هذه الأيام حول خطر مرض كورونا هذا المرض الذي أرعب العالم وأصبحت كل القطاعات في حالة طوارئ وتأهب كبير لمواجهته كل حسب تخصص، في حين أن الإسلام تفرَّد بوضع أسس الطب الوقائي الّتي أثبت العلم الحديث إعجازها، وهي متأصّلة في جذور العقيدة الإسلامية،كما أن إنّ العزل والحجر الصحي قاعدتان وضعهما الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لمنع انتشار الأوبئة.
ولكون أننا نحن الأئمة مهمتنا النصح والتوجيه والوقاية بمنهج الإسلام،فالإسلام اعتبر الصحة من نعم الله عز وجل العظيمة على الناس، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ) رواه البخاري. وقد احتوت كتب السُنة على أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي تتعلق بالأمراض وعلاجها، وكتب بعض العلماء كتباً خاصة في ذلك، فلنحرص على صحتنا البدنية والروحية بتطبيق هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حياتنا، فهديه أكمل الهدي صلوات الله وسلامه عليه.
ويرى الإسلام أن الصحة نعمة كبرى يمن الله بها على عباده، بل يعدها أعظم نعمة بعد نعمة الإيمان، كما يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ما أُوتي أحد بعد اليقين خيرا من معافاة، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم جعلها خيراً من الغنى قال: لا بأس بالغنى لمن اتقى والصحة لمن اتقى خير منالغنى وطيب النفس من النعيم.
وقال وهب بن منبه، رؤوس النعم ثلاثة، فأولها نعمة الإسلام التي لا تتم نعمة إلا بها، والثانية نعمة العافية التي لا تطيب الحياة إلا بها،والثالثة نعمة الغنى التي لا يتم العيش إلا به.وكثير من الناس لم يستغلوا نعمة الصحة فيما يعود عليهم بالخير والفائدة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ، والغبن عدم معرفة القيمة، أو بيع الشيء النفيس بثمن بخس، وذلك أن الإنسان إذا كان صحيحاً كان قادراً على ما أمره الله به أن يفعله، وكان قادراً على ما نهاه الله عنه أن يتركه لأنه صحيح
البدن، منشرح الصدر، مطمئن القلب، فإذا كان فارغاً صحيحاً فإنه يغبن كثيراً في هذا، لأن كثيراً من أوقاتنا تضيع بلا فائدة ونحن في صحة وعافية وفراغ.
هدي النبي صلى الله عليه و سلم في التعاطي مع الأوبئة و الأمراض الفتاكة
و المصائب
إن الإسلام الذي أمر بالاهتمام بالروح، لم يهمل صحة الأبدان، بل اعتنى بهما معا، وهذا من وسطية الإسلام وعدله، وأنه دين شامل وميسر وسهل وكامل، وتبدو أهمية هذه النعمة وعظمها في قول النبي صلى الله عليه وسلم: من أصبح معافى في جسده آمنا في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها، كما أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أصبح وإذا أمسى يدعو:اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة اللهم إني أسألك العفو
والعافية في ديني ودنياي، وأهلي ومالي اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك من أن أغتال من تحتي، ووجه الأمة إلى سؤال الله تعالى العافية حين قال: سلوا الله العافية واليقين فما أعطي أحد بعد اليقين شيئاً خيراً من العافية فسلوهما الله تعالى.
الراحة البدنية: والصحة ، هي حالة الإنسان الخالية من الأمراض، كما تعني الراحة البدنية
والعقلية والاجتماعية، فالإنسان الصحيح هو الذي يشعر بالسلامة البدنية، وهو ذو نظرة واقعية للحياة، ويتعامل مع غيره من الناس بصورة جيدة، ومعنى الصحة يشمل السلامة من الأمراض وذهاب المرض بعد حلوله.
ومن فوائد الصحة، الاستمتاع بالحياة، وتهيئة الفرص للناس للوصول إلى أهدافهم بصورة كاملة، وامتلاك العزم والقوة والقدرة على تحمل ضغوط الحياة اليومية، والقيام بالتكاليف الشرعية على أحسن وجه، والحصول على الأجور والحسنات من الله، والتي تجعل الإنسان سعيدا بالراحة النفسية، والاستمتاع بالخيرات والبركات في الحياة الدنيا، وأما في الآخرة فبدخول الجنة. ونعمة صحة الأبدان، فيها وحدها من النعم ما لا تستطيع نفس بشرية أن
تدركه، وكلما أوغل علم الطب في أبحاثه واكتشافاته، أدرك أن قيمة هذه النعمة فوق تصورات البشر.
وللمحافظة على نعمة الصحة والعافية شرع الإسلام جملة من الآداب التي تدفع عن الإنسان أسباب المرض، وتديم عليه العافية، فشرع الطهارة والنظافة والاغتسال، والوضوء، والسواك والمضمضة، والاستنشاق، وإزالة النجاسة، وغير ذلك من الوسائل الوقائية، وقد أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحسن استثمار هذه النعمة، قال: اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك.
وإن من حسن استثمارها أن يجعل منها عوناً له على طاعة الله تعالى، وأن يسعى بها في خدمة مجتمعه ووطنه، فخير الناس أنفعهم للناس. وكان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك.
الإسلام تفرَّد بوضع أسس الطب الوقائي الّتي أثبت العلم الحديث إعجازها، وزعم الغرب أنّه مكتشفها، بينما هي متأصّلة في جذور العقيدة الإسلامية. فالإسلام ينطلق في مسألة العلاج والتّداوي والجوانب الصحية بصورة عامة من منطلق أنّ الحفاظ على النّفس والبدن والعقل والفكر من الضّروريات الأساسية الّتي جاءت الشّريعة لأجل الحفاظ عليها، وحمايتها وتنميتها،ولذلك أمر الله تعالى رسوله الكريم صلّى الله عليه وسلّم بالتّداوي، فقال: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾.
العزل والحجر الصحي قاعدتان وضعهما الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لمنع انتشار الأوبئة
وقد كانت الأوبئة الفتّاكة والأمراض المعدية في العالم الإسلامي أقلّ بكثير منها في أوروبا في الفترة التاريخية نفسها، بل إنّ موجات الطاعون الّتي كانت تقضي على ربع سكان أوروبا كانت تنكسر حدّتها عند حدود العالم الإسلامي.وتزخر السُّنّة النّبويّة بالعديد من الأحاديث الشّريفة، الّتي وردت بها أدعية يلجأ إليها المسلمون للوقاية من الأمراض والأوبئة، والتضرّع إلى الله بها للنّجاة من الإصابة بها، كقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
”اللّهمّ إنّي أعوذ بك من البرص والجنون والجُذام ومن سيِّئ الأسقام .
حفلت السنَّة النبوية المطهرة بأحاديث صحيحة كثيرة تحث المسلم على الإتيان بما فيها من أدعية وأذكار تقال من أجل الوقاية .
بقلم الأستاذ/قسول جلول
باحث وإمام مسجد القدس حيدر