جامع الجزائر كسائر المساجد هو المنارة التي يسترشد بها المؤمن في حياته، ومنه يستمدّ مقوّمات دينه، ويعرف أصوله ومبادئه، يكوّن القواعد التي يبني عليها المسلمُ حياتَه في مختلف مجالاتها، وهو الذي يشعّ على كلّ هيئات المجتمع أنوارَ الهداية والرّشاد، ومنه تأخُذُ
كلُّ تركيبات المجتمع أساليبَ العمل، ومناهجَ التّحرّك، وطرقَ الانطلاق. مرحلة جديدة تريد أن تدخلها البلاد بعد طي صفحة سوداء من تاريخ الدم عاشتها البلاد خلال تسعينيات القرن الماضي بسبب الفتاوى المضللة والأفكار الدخيلة كان هدفها التشكيك في هوية الجزائر وانتمائها كما يعتبر اللبنة التي أتمت السيادة بكاملها والتخلص من التبعية والوصايةوقد كان دوماً منذ عهد الرّسول – صلى الله عليه وسلم – الموجّهَ لحياة المسلمين، والمديرَ لشؤونهم، والمدبّرَ لأمورهم، فقد كان المدرسة والمعهدَ، والجامعةَ والثّكنة، والنّاديَ وكلَّ ما يحتاج إليه المسلم في التّكوّن، أي كان الملاذ والحصن للمسلم في تنظيــم شؤون معاشه ومعاده.
ولهذا أهتم الناس الجزائريون إهتماما كبيرا طال من انتظر تدشين جامع الجزائر كمركز إشعاع حضاري واجتماعي وعلمي ،كما أنتظر الشخصية الجزائرية التي يكون لها شرف رئاسة هذا المعلم ، وما إن أعلن عن اسم الشخصية التي تضطلع بمهمة تسيير هذه القلعة والمنارة العلمية حتى انقسم الناس بين مرحب ومهنئ ، ومستبشر بهذه القامة العلمية المعروفة بوسطيتها واعتدالها طيلة مسيرتها الدعوية التي تعكس الشخصية الجزائرية وتعينه يعتبر سد الطريق أمام دعاة التفرقة وأعداء الوطن وآخرون لم يرحبوا على تعيين هذه الشخصية الجزائرية واعتبروا هذا التعيين إقصاء وإبعاد لأفكار تبلورت وزرعت في سنوات الغفلة …كخلاية هجينة أرادوا لها أن تنبت في أرض الشهداء ، وقام كل واحد من هؤلاء استدعاء أفكار ومصطلحات قديمة وتوظيفها في معترك الصراع الدائر حول هذا الموضوع. نسمع على وسائل التواصل الاجتماعي نقد وتحليل والفاض وعبارات كقولهم (القبوريون) إشارة إلى طائفة تتوسل وتطلب من الموتى في القبور لدفع ضرر أو جلب نفع وهذا كان في غير الجزائر . ويروج الصوفية بأنها بدعة مضلة لتأسيس حملة شرسة للتحقير يقصد بها تشويه هذا الانجاز الكبير، فضلا عن الصراعات الأخرى ذات المنشـــــــإ الطائفي والمذهبي ولاستراتيجيات المعتمدة في تلك الصراعات، لإثارة الجدل سواء من حيث مضمونها أو من حيث شكلها. وفي خضم هذا الصراع الأيديولوجي بأدوات مختلفة ، تتضارب المفاهيـم و تتعدد البدائـــــــــــــل المصطلحية، و يصبـــــح التلاعب بالمصطلحات والتشكيك فيها سلاحا مشهرا في وجه كل مشروع لايوافق أهدافهم ولا يحقق أمالهم،الزوايا منشأ للطرق الصوفية فهي ضالة مضلة وقد قيل عنها بأنها محضنة للإرهاب وداعمة للاستعمار واستخدام مصطلحات خصومهـــــــا في مسعى لنفي وجود الآخر عبر دحض مفاهيمه وإلغاء مصطلحات ولا يدري هؤلاء بأن الزوايا حافظت على الهوية الوطنية واللغة العربية والدين الإسلامي يعرف ذالك كل من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. جامع الجزائر تكلموا عن موقعه ،تكلموا عن أرضه ،تكلموا عن هندسة بنائه،تكلموا عن أبعادة السياسية ،والاجتماعية ،والدينية ، تكلموا عن اسمه ، تكلموا عن ميزانيته ،تكلموا عن من بناه وسيتكلمون كثيرا عن إمامه. مهلا ؟ لعلهم كانوا ينتظرون أن تستورد الدولة إماما من المشرق أو من المغرب بفكره وانتمائه. فهذا إمامنا نعرفه ونعرف نسبه تربى في أحضان تربة الجزائر ، ودرس عن علماء الجزائر ، عاش للجزائر ومع الجزائر في أفراحها وأتراحها يعرف واقعها الديني والفكري والثقافي. أعتقد بتعيين هذه الشخصية التي تتميز بالوسطية سيكون له أثر بالغ في توحيد الصفوف وجمع الكلمة وتحقيق المرجعية الدينية والأمن الديني وسدالطريق أمام المغرضين والمتربصين . ولكن قبل هذا كان الصراع على أشده عند بروز فكرة المسجد الأعظم من بداية الاستقلال وعلى أعلى المستويات السياسية وحتى بين الدول وظهرت في العقدين الأخيرين فمنذ أكثر من عقدين من الزمن، راود الساسة والنخبة الثقافية والدينية ببلادنا، وبناء مسجد يعكس مكانة الجزائرلعل من بين الأسباب التي عجلت في تجسيده هوحاجتنا الماسة إلى مرجعية دينية، فقد ظلت الجزائر بحجمها وعظمة شعبها، البلد العربي الوحيد تقريبا في شمال إفريقيا من دون مرجعية دينية حقيقية، فالتونسيون مرتبطون بجامع الزيتونة، والمغاربة بالقرويين، والمصريين بالأزهر الشريف، وبالتالي فإن انبعاث مشروع كجامع الجزائر ، يعني ثورة في المجال الديني والعلمي، والتحرر من التبعية الفكرية إن الصراع في اختيار المكان الذي سيبنى عليه بني عليه جامع الجزائر نفسه الذي تم الاعتداء فيه على الإسلام في الجزائر، لذلك ومنذ انطلاق المشروع، بدا امتعاض الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية واضحا، فموقع المسجد يحمل رمزية تاريخية معروفة، بسبب الحملات الصليبية التي استهدفت الجزائر في الماضي، فقد شهد الشاطئ البحري للمسجد تحطم أكبر الأساطيل الصليبية ،كما أنه كان بعد الاحتلال يضم أول وأكبر مدرسة للآباء البيض في كامل إفريقيا، بقيادة زعيم المبشرين “شارل لافيجري »، والذي سمت سلطات الاحتلال الفرنسي باسمه المكان، حيث كان هذا الأخير يهدف إلى ضرب الدين الإسلامي، وبذل جهودا جبارة مستعينا بالسلطات الاستعمارية حتى يصد الجزائريين عن دينهم، لكن أراد الله أن يسفه أعمالهم ويتم نوره، يعني من الناحية التاريخية المكان يحمل رمزية انتصار الإسلام على الصليب. وكأن هذه الأرض الطيبة التي شيد عليها المسجد، حولتها فرنسا خلال احتلالها إلى أكبر حاضنة للتبشير في الجزائر وأفريقيا، وتحمل اسم كاردينال التبشير (لافيجري)، ومصنعا لتفريخ “الآباء البيض”،تنتفض اليوم بشموخ وترد باحتضانها أعظم مشروع إسلامي في إفريقيا، بعد أن استرجعت الأرض هويتها، وتحول اسمها معطرا باسم خير البرية (المحمدية) وفرنسا التي بنت كنائسها الكبرى في أعلى هضبات المدن الساحلية الجزائرية، طوال تواجدها بالجزائر، أرادت أن توحي بالغزو المسيحي للجزائر، عبر غرس “سانتاكروز” في وهران، و”سانت أوغيستان” بعنابة، و”السيدة الإفريقية” بالعاصمة، وجدت نفسها تخسر معركة الرموز الدينية، وقد صار الموقع الذي حلمت أن يضم أكبر كنيسة في إفريقيا، يضم أكبر مسجد في القارة.