قد تعبدنا الله بعبادات مختلفة وجعل لها فرائض وسنن ومستحبات، حتى يبدأ العابد بما افترضه الله عليه أولا ثم ما يليه ثانيا ولا يهتم ويعتني بمستحب ويترك الفرض ،ولعل المتتبع للصائمين والصائمات أنهم جعلوا صومهم تحكمه العادة وليس
العبادة فيهتمون بالتراويح وينامون على الفرائض الخ
كما أنهم أدخلوا في مظاهر في رمضان لا ينبغي لها أن تكون ، كأخذ العطلة عن العمل بحجة الصيام ، والنوم نهار رمضان ، والتبذير ،والتهاون في العمل، والغضب وما يتبعه من سب وشتم وغيرها .
الصوم الفلكلوري
علما أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم وضح منهج الإسلام في ترتيب الأولويات فبين قاعدة الأولويات وتقديم الأهم فالمهم وإن الإسلام جاء منظما لحياة البشر، مؤكدا على ضرورة الترتيب بين الأشياء بحسب أولويتها وأهميتها بالنسبة للفرد المسلم وللأمة ، قال تعالى: ﴿وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ الزمر:55، وقال أيضا: ﴿ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ التوبة:19]،
إن تنظيم حياة الإنسان عبادة أو معاملة ، أولاه الإسلام أهمية كبرى ينصب في صالح الإنسان مقدم على البنيان، كما أن مقاصد الشريعة تحث على أولوية الحفاظ على الإنسان وهي: حفظ النفس والعقل والدين والعرض والمال، لذا فترتيب الأولويات من أهم العوامل التي تعمل على حفاظ الإنسان.فما هي
أولوياتنا في شهر الصيام ؟ لعل أولاها الإعتناء بتربية الروح وتعويدها على الفضائل.
فعندما ننظر إلى حياتنا في جوانبها المختلفة تعبدية كالصيام – مادية كانت أو معنوية، فكرية أو اجتماعية أواقتصادية أو سياسية أو غيرها – وجد ميزان الأولويات فيها مختلا كل الاختلال، فنجد بعض الناس جعلوا التراويح هي رمضان .
فما هي أولويتنا في رمضان ،الإهتمام بالعقيدة أولا قبل كل شئ الفرائض قبل السنن والنوافل. حقوق العباد قبل حق الله المجرد.
تقديم المصلحة العامة علي المصلحة الخاصة. الإهتمام بالمضمون أكثر من الشكل أي وضع كل شيء في مرتبته فلا يؤخر ما حقه التقديم، أو يقدم ما حقه التأخير، ولا يصغر الأمر الكبير ولا يكبر الأمر الصغير، بناءً على معايير شرعية صحيحة يهدي إليها نور الوحي، ونور العقل وأساس هذا:
أن القيم والأحكام والأعمال والتكاليف متفاوتة في نظر الشرع تفاوتًا بليغًا، وليست كلها في رتبة واحدة، فمنها الكبير ومنها الصغير، ومنها الأصلي ومنها الفرعي، ومنها الأركان ومنها المكملات،وهذا واضح من النصوص نفسها، كما في قول الله تعالى: ﴿ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ التوبة: 19 وقول الرسول الكريم: الإيمان بِضْع وسبعون شعْبة: أعلاها “لا إله إلا الله”، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق
وقد كان الصحابة رضي الله عنهم حريصين كل الحرص على أن يعرفوا الأَوْلى من الأعمال، ليتقرَّبوا إلى الله تعالى به، ولهذا كثرت أسئلتهم عن أفضل العمل، وعن أحب الأعمال إلى الله تعالى،ولذا كثر في الأحاديث: أفضل الأعمال كذا، أو أحب الأعمال إلى الله كذا
وكذا.فعن عمرو بن عَبَسة – رضي الله عنه – قال: قال رجل:يا رسول الله، ما الإسلام؟ قال: أن يسلم لله قلبك، وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك؟ قال: فأيّ الإسلام أفضل؟ قال: الإيمان، قال: وما الإيمان؟ قال: أن تؤمن
بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت قال: فأيّ الإيمان
أفضل؟ قال: الهجرة، وقال: وما الهجرة؟ قال أن تهجر السُّوء، ومن تتبع ما جاء في القرآن الكريم، ثم ما جاء في السنة المطهرة في هذا
المجال، جوابًا عن سؤال، أو بيانًا لحقيقة، رأى أنها قد وضعت أمامنا جملة معايير لبيان الأفضل والأولى والأحب إلى الله تعالى من الأعمال والقيم والتكاليف، وبيان ما بينها من تفاوت كبير، وذكرت بعض الأحاديث نسبة، مثل صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ الفرد بسبع وعشرين درجة، وقوله صلي الله
عليه وسلم سبق درهم مائة ألف درهم، رباط يوم وليلة خير من صيام شهروقيامه، إن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عامًا.
وفي الجانب المقابل وضعت معايير لبيان الأعمال السيئة، كما بينت تفاوتها عند الله، من كبائروصغائر، وشبهات ومكروهات،وحذَّرت من أعمال اعتبرها شرًا من غيرها، وأسوأ مما سواها، مثل حديث: شر
ما في الرجل، شُحٌ هالع وجُبنٌ خالع. شر الناس: الذي يسأل بالله، ثم لا
يعطي. شرار أُمتي: الثرثارون المتشدقون المتفيهقون، وخيار أُمتي:
أحاسنهم أخلاقًا. أسرق الناس: الذي يسرق صلاته، لا يتم ركوعها ولا
سجودها، وأبخل الناس مَن بخل بالسلام كما بيَّن القرآن أن الناس ليسوا متساوين في منازلهم، وإن كانوا متساوين في إنسانيتهم بأصل الخِلقة، وإنما هم متفاوتون بعلومهم وأعمالهم تفاوتًا بعيدًا.يقول القرآن: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ الزمر: 9
وقال تعالى ﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ ﴾ فاطر: 19 –
وهكذا نجد أن الناس يتفاوتون ويتفاضلون، كما تتفاوت الأعمال وتتفاضل، ولكن تفاضلهم إنما هو بالعلم والعمل والتقوى.
لهذا كان الأمر الأحق بالتقديم والأولى بالعناية من غيره، هو تصحيح العقيدة، وتجريد التوحيد، ومطاردة الشرك والخرافة، وتعميق بذور الإيمان في القلوب، حتى تؤتي أكلها بإذن ربها، وحتى تغدو كلمة التوحيد: لا اله الا الله” حقيقة في النفس، ونورا في الحياة، يبدد ظلمات الفكر، وظلمات السلوك.
بقلم الأستاذ/قسول جلول
باحث وإمام بمسجد القدس حيدرة