تقتضي سرعة المعلومة استعمال الوسائل الحديثة لمسايرة العصر والتواصل مع المواطنين ومرافقتهم وتقريب المعلومة منهم ومراعات عاداتهم وتقاليدهم فيما تعلق بالمسائل الفقهية والتوجهات الدينية، والقضاء على فوضى الإفتاء.

لقد جعلت الدولة أجهزة مراقبة لكل شيء ـ مراقة الغش في التجارة؟ مراقبة تقنية للسيارة ،مراقبة للدواء مراقبة ماعدا مراقبة الإفتاء.

لا طمأنينة ولا راحة لمن يعيش بعيدا عن هدي الله لقوله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى

وَقَدْ كُنتُ… بصيرا، سورة طه وحديث نبينا صلى الله عليه وسلم

…. يا رَبُّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامِ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامَ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ

لَهُ؟)) رواه مُسْلمٌ.

وكل المؤمنين يطلبون الحلال، ويبحثون عنه، ويحبون أن يعيشوا حياة فيها رضوان من الله.

فأي طمأنة وراحة ورضا إذا أصبح الجزائري : مطعمه حرام ، وعمله حرام ، الخ

فقد يذهب لشراء الخبر ، يقولون له،لقد وجدوا فيه مادة خنزيرية فالخنزير حرام، وما أضيف إلى الخميرة إذن فهو حرام، ويتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم :كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به .

وقد يذهب للعمل في البنوك فيقولون له البنوك ربوية والعمل فيها حرام وأجرتك حرام …ويشككون له في كل شئ والقائمة طويلة ، كاستراد اللحوم المجمدة ..والذبح الآلي للدجاج.

أصبح الجزائري مخبر للإفتاء إما أنه يتألم ويجتهد للخروج من دائرة الحرام…ويضع مكانه بديلا حلالا .

وإما أن ينغمس في الحرام ، فما دام أكله حرام وعمله حرام ، فلا حرام بعد هذا الحرام ، فلا كبيرة من الكبائر مادام متعود على أكل الحرام!

والنتيجة أصبح لدينا مجتمع يشك في كل شيء، فأنا المتحدث إليكم ، تريثت كثيرا قبل الخوض في هذا الموضوع الذي يؤرق، بالي من زمن بعيد وربما بال الكثيرين منكم ،خشية ظلم بعض من نسميهم المشايخ سامحهم الله أو بعض الصانعين والمكونين للرأي العام ممن روجوا لفتاوى والفكر الديني !

فتاويهم وأفكارهم لا تمت للإسلام بصلة ولا يستسيغها عاقل،لكن بلغ السيل الزبى، ما سمعناه وما قرآناه في الجرائد وما شهدناه في القنوات التليفزيونية من بعض المشايخ سامحهم الله ،الذين اتخذوا الفتاوى سوقا رائجة هذه الأيام متخذين من هاجس الحرية الذي منح لهم (الحرية الإعلامية) مرتعا لتمييع ديننا الحنيف، استفزني كثيرا،هؤلاء المشايخ لم يكفهم التطاول على بعض الأحكام الشرعية من الدين الاسلامي ،فاتخذونا محط سخرية

أمام العالم، جراء فتاويهم ،ضاربين عرض الحائط قول النبي صلى الله عليه وسلم:”أجرِؤكم على الفتوى أجرِؤكم على النار”.

كل مرة يطلع علينا شيخ ،بفتوى جديدة ،لاأدري ما الحكمة منها؟ سياسية ، تجارية ، أو تخدم موضوعا مضافا وما الفائدة منها غير تلميع صورته والدعاية لشخصه أو لقاناته ، وربح من وراء ذلك التسويق الإعلامي بعض الدريهمات ويشترون بآيات الله ثمنا قليلا.

ربما يجهله الكثيرون،فلا يعرفه أحد اللهم بعض بطانته، ولا يجد غير باب الفتوى يقرعه حسب هواه،وحسب ما جادت به أحلامه وقريحته،ففتاواه لا تعدو مجرد نكت من قبيل الدعابة والمزح والمرح ليس لها تعليل، ولا تدليل،ولا تأصيل ،لا يهمه ما يحدث بعد فتواه من فتن ، فكم من تاجر وكم من عامل وكم من عائلة وقعوا ضحية فتواهم .

هؤلاء المشايخ دعاة الفضيلة لم يشف غليلهم فتاوى فقه الوضوء وترقيع الصلاة الذين عاشوا فيه لسنوات طويلة نظرا لكثرتها، وأصبحوا يلجؤون لاطلاق فتاوى من قبيل فتوى تحريم كل المشاريع والتعامل مع المؤسسات كما يعلم الجميع، أن هذه المواضيع الكبير والشائكة والمعقدة تحتاج إلى مجمع فقهي بل أن المجامع الفقهية عجزت عن إيجاد الحلول لمسائل فقهية مستجدة معروفة .

ولو علم ذلك الفاتي وليس المفتي لعلم أنه من أصحاب ا الشبر الأول في العلم ، ومن ثم لسكت ، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون تسويقا اعلاميا له ولمن معه يدخل في نطاق:نحن أعلم بالحلال والحرام منكم ، أحد هؤلاء المشايخ من المدافعين عن الدين شكلا ومضمونا بلحيته وسمته وهو مرجع لمن هم أمثاله.

فإن كان يعلم بأن للفتوى أهلها فتلك مصيبة، وان كان لا يدري فالمصيبة أعظم ،قديما قالوا:”رحم الله امرءا عرف قدر نفسه”،فليس كل واعظ أو مرشد أو داعية أو مفكر إسلامي هو أهل لأن يتصدر الفتوى،فكل علم له رجاله ومختصوه،فقد يعرفون الحكم ولكن لا يعرفون الفتى ، فالفتوى غير الحكم لكن طامتنا الكبرى اليوم هو في تطفل بعض المشايخ على الفتوى بدون رقيب ولا حسيب، وفتحوا باب لكل من يريد أن يفتي فالتاجر يفتي ، والموظف يفتي ، والعامل يفتي، والذي يعرف الكتابة يفتي، والذي لا يقرأ يفتي ،والنساء يفتون ،وأصبح المجتمع مجمع إفتاء ، كما هو حال شيخنا هذا الذي أفتى بتحريم أكل الخبز ، وأمثاله المعروفين فهم يفتون لمجتمع غير مجتمعهم ومن شروط الفتوى فقه الواقع والتخصص في الفقه وأهل الاختصاص في المادة المصنعة ومعرفة دقائق الأمور بعدها صدر الفتوى مبيحة أو محرمة لهذه المادة أو تلك .

هذا الذي يصب على مجتمعه وابل من الفتاوى التي تدل على أحكام الدين ، وهو يعلم بأن الفتوى غير الحكم ،فالحكم لايتغير والفتوى تتغير زمانا ومكانا.

فهل يعلم هؤلاء المشايخ أن اقبالهم على اصدار فتاوى فيها نوع من الشذود الفكري نأسف لوصفهم بالجهال المتعالمين ،لآنهم يشوهون صورة الاسلام .

يتساءل الناس اليوم لقد جعلت الدولة أجهزة مراقبة لكل شيء ـ مراقة الغش في التجارة، مراقبة تقنية للسيارة مراقبة للدواء مراقبة ماعدا مراقبة الإفتاء والتوجيه فهو أولى بالمراقبة والمتابعة ، لأنه يحصن الأمن الفكري الديني والمرجعية الدينية ولا نمنع الذين يفتون لتفرقة المجتمع .

ونقول ـ للمتطفلين على الفتوى ،لا اجتهاد فيما لا اجتهاد فيه،ولا ادعاء فيما يخص التجديد فيما لا يقبل التجديد،بخصوص أحكام شرعية قطعية الثبوت ،قطعية الدلالة والا سيكون المفتي شاذا عنا بفتواه الشاذة سخط الجميع.

وعليه ننصح هؤلاء بإعادة تثقيف أنفسهم وتكوينها تكوينا صحيحا، يتلاءم وأحكام الشريعة وليس ما يوافق هواه، وحزبه ولآنه يخاطب الجميع.

وندعو إلى تبني الفتوى الجماعية التي تصدر عن الهيئة العلمية المختصة بالفتوى،وأن يكون علماؤها من المشهود لهم بالعلم والرأي والاستقامة،كما تنشأ مؤسسة علمية للقضايا الاجتهادية.

وبذلك تكون الفتوى الجماعية ذات مصداقية وتقف حجرة عترة أمام كل الدخلاء على باب الفتوى والمتطفليين عليها.

وأتمنى من التلفزيون الجزائري خاصة والإعلام عامة أن يعطي أهمية كبيرة وتوجيه صحيح وقيمة علمية مفيدة، ولا مصدر تجهيل وتفريق وبث العداوة والبغضاء بين الجزائريين .

بقلم الأستاذ/ قسول جلول

إمام مسجد القدس حيدرة

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *