بقلم:عميرة أيسر
رئيس تحرير هعولازم زاده،هذا العالم،يعتبر بأن نضاله الأساسي والرئيسي والمؤثر يجب أن يتم داخل إطار المنظومة المجتمعية الإسرائيلية،وهو عندما يتوجه مخاطبا الرأي العام العربي والدولي، بشعارات الحرية والسَّلام والمساواة،ولكنه في نفس الإطار يصنِّف نفسه دائماً على أنه يدور في فلك المعارضة السِّياسية و الفكرية الصهيونية التي يرى نفسه أحد أهم أقطاب اليسار الاشتراكي فيها،فهو يحرص على غرار الكثيرين بأن يقنع الجمهور الإسرائيلي بوجهة نظره،في القضايا السِّياسية والفكرية والأيديولوجية والاقتصادية والاجتماعية التي تهمه من خلال دخول اللعبة البرلمانية،فما هي يا ترى رؤية أوفنيري للوضع العام في الكيان الصهيوني؟،وكذا السِّياسة المتبعة من طرف العدو الصهيوني ضدَّ الفلسطينيين في تلك الفترة من تاريخ القضية الفلسطينية؟.وللإضاءة على هذه الجزئية المهمة علينا أولاً أن نحاول فهم وضع العرب في فلسطين المحتلة سنة 1948م. يقول الأستاذ صبري جريس في كتابه العرب في إسرائيل،وهو الذي من خلاله غاص في تفاصيل المعاناة الفلسطينية في تلك الفترة التاريخية المهمة، كلنا نتذكر القرارات الاعتباطية والتدابير التعسفية التي تحدّ من حرية الحرية والتنقل، أو الحركة وتفرض الاعتقال الإداري دون محاكمة ودون توجيه أيَّة تهمة، أو تصادر أملاك الفرد، وهي جملة من قوانين الحكم العسكري، ورثتها إسرائيل، عن الاستعمار البريطاني وطبقها على العرب فقط دون سواهم من السّكان.إن العنصرية الصهيونية والحكم العسكري قد جعلا الفلسطينيين كما قيل، مواطنين من الدرجة الثانية وأجانب في أرضهم بالذات. وقد كان أفنيري أحد المثقفين اليهود الكبار، الذين اشتركوا في الدفاع عن حقوق أصحاب الأرض الأصليين ضدَّ آلة القتل الوحشية، للجيش الصهيوني إلى جانب الكثير من المثقفين العرب، وذلك في إطار ما عرف بالمجلس السِّياسي،وقد ساهم أفنيري باعتباره صحفياً شاباً في دعم هذه التحركات والتظاهرات والاشتراك فيها بقوة، وكان يدعو إلى المساواة والعدل وتكافؤ الفرص اجتماعياً وسياسياً، وثقافياً بين العرب واليهود، وقد اشترك أعضاء مجلس العمل السّياسي وقتها، والذي كان أفنيري أحد دعائمه، التي يرتكز عليها في تشكيل الجنة العربية اليهودية لإلغاء الحكم العسكري.وهي اللجنة التي تشكلت عقب المؤتمر الذي تمَّ تنظيمه للاحتجاج على الحكم العسكري التعسفي المفروض على العرب،وهو المؤتمر الذي عقد في تل أبيب بتاريخ 2/12/1961م.صبري جريس،المصدر السَّابق. ويرى كذلك بأنَّ العائق الرئيسي لتحسين وضع العرب في إسرائيل، وفق وجهة نظره تكمن في موقف الحكم الذي يقر بأن إسرائيل،يجب أن تشكل دولة يهودية متجانسة ذات قومية يهودية واحدة، وفي هذه الحالة لا يمكن اعتبار العرب كمواطنين بالمعنى الكامل ولكن كشرّ ضروري، وهذا ما جاء به في فصل حرب بين إخوة السَّاميين من كتاب من الفكر الصهيوني المعاصر ص 360. ويقول في هذا السِّياق أيضا نحن إذ نطالب بإسرائيل، تعددية وعلمانية وديمقراطية لا تشاركهم في هذا الموقف، إننا لا نريد إشراك العرب الإسرائيليين نصاً وفعلاً في جميع المؤسسات الوطنية في الحكومة، والإدارة وحتى فريق كرة القدم الوطني مروراً بمشاريع التنمية،صبري جريص المصدر السَّابق. ويستمر أوفنيري المفكر الصهيوني اليساري في مساره المناهض لممارسات الاحتلال المتعسفة ضدَّ العرب،غداة حرب حزيران سنة 1967م،في مواقفه المناهضة للسِّياسة الإسرائيلية والتي جلبت له الكثير من الخصوم والأعداء داخل المجتمع الصهيوني، وخاصة من الأحزاب والجمعيات الدينية المتطرفة، وخاصة الرسالة المتطرفة التي جاءته من أتباع أحد الجماعات الدينية المتشددة، والتي أثارت حفيظته، إذ يؤكد دائماً على أن ظواهر كالتطرف والتعصب تعتبر من أهم المشاكل التي أحدثت ولا تزال الكثير من الصدامات والانشقاقات داخل المجتمع الصهيوني، فرد أفنيري عليها بمقال نشر في جريدة هعولام هزه بتاريخ 26/2/1969م، ومما جاء في محتواه:لقد أصبح قطاع غزة محور الحركة المقاومة العربية الفلسطينية ضدَّ دولة إسرائيل … لماذا؟الأمر بسيط للغاية،في غزة الأهالي جياع هناك،مئات الألوف من السكان،بدون عمل،قبل كل شيء،الوضع الاقتصادي السيئ في القطاع،ليس عرضياً فليس من قبيل الصدفة أن يجوع الأهالي في قطاع عزة،وأن لا يجدوا أيَّ منصب عمل،وأن تكون الأجور أقل من الحدِّ الأدنى الضروري.فالأمر كذلك لأن هناك واحد يريد أن يكون كذلك،واحد في القدس،واحد جماعي،والأخر يريد خلق وضع معين بغية التوصل إلى نتائج معينة،ولقد تقبل النتائج فعلاً ولكن ليس النتائج التي كان يتوخاها، إن سياسة الحكومة تقوم على تجويع القطاع وعلى خلق شروط معينة.وصعبة للغاية بحيث يتم إخلاء السّكان بالقوة،وخاصة الذين يقيمون في مخيمات اللاجئين،ويُحملون بعدها لكي يصبحوا نازحين في الأردن،أو على الأقل نحو الضفة الغربية. ولكن بقي السّكان بالرغم من الجوع وراء الحقد،وتولدت الحاجة من الإرهاب،ثم يتابع حديثه قائلاً:بأن الهدف من الإخلاء هو تسهيل ضمَّ القطاع أيَّ قطاع غزة،إلى إسرائيل. ويضيف:بأن دعاة الضم يرغبون في إدخال حوالي 400 ألف عربي ضمن حدود إسرائيل، بل يريدون طرد نصف السكان على الأقل. فأوفنيري من خلال نضاله السِّياسي والصحفي داخل المجتمع الإسرائيلي،حاول أن يبيِّن وجهة نظره التي تختلف في الكثير من القضايا الخلافية عن نظرة المجتمع والمؤسسة العسكرية والرسمية الصهيونية لها،وهو بذلك يريد أن يكون حجر الزاوية في الفكر اليساري المناهض للامبريالية الصهيونية،والتي من مفارقات الصدف أنها تستهدف في الكثير من مماراتها العنصرية داخل الخط الأخضر حتىَّ العرب الفلسطينيين هناك.