لاحظت أنني عندما أستعمل  صفحتي على الفيسبوك للتعبير عن موقفي السياسي تجاه النظام أو الإسلامويين. تقلُّ ردود الفعل. وأنا أدرك أن معظم القُراء يتبنَّوْن شعار ((تخطي راسي وتفوت))، كما أعلم أنَّ الموت آتٍ لا ريْب فيه.

ولستُ ألوم الذين لم يعيشوا فترة الإرهاب ولم يعانوا من الخوف والتشرُّد، ولا الذين لا دَخْل لهم في المسائل السياسية حتى تستفحل الأزمة الاقتصادية وتصلهم إلى العظم. إنما أجد فرقاً كبيراً بين صراحة الشاعر “عادل صيَّاد” ونقمته على الوضع وتحليل الشاعر “عاشور فني” ،في شجاعته وعمقه، ومواقف ”أمين الزاوي تجاه الظلاميين“، وبين أولئك الذين احترفوا الصمت في زمن الرداءة.

فلا أدري ما إذا كان مصدر هذا التخَفِّي هو الخوْف، أم أنَّ كاتباً ”كبيراً“ ينبغي أنْ يكون أكبر من أن يُقحم نفسه في أمور تبدو له تافهة. علماً بأن منهم منْ وجَّه رسالة مفتوحة إلى الرئيس “زروال” في زمنه. أقصد رسالة“واسيني“ بما لها من ريادة وما تتضمنه من موْقف شجاع، لذلك كان أملي أنْ تتكرَّر مثل هذه المواقف النبيلة في زمن ازداد بؤساً وتردِّياً.كما لا أقصد أنْ ينطق ”واسيني“ مرة أخرى-وهو كاتب كبير حقّاً- إنما، لأن الكُتَّاب في الجزائر أصبح يصعب عليْنا عدُّهم، ((ولكنهم في النائبات قليل)).

فلم أعدْ أفهم -يا إخوتي- أن تمرًَّ أربع عُهْدات أيْ عشرون سنة من الرداءة وإهدار المال العام والزعامة المزيَّفة، ويبقى كاتب “كبير” في زاويته يسبُّ ويشتم شفاهة، وربَّما يتوهَّم أن كتاباته، إنما وُضِعتْ لتُحرِّك الأجيال القادمة.

إني لا أتصوَّر أنْ يكون الكاتب كبيراً إذا هو لم يكبر في عصره. ولن يكون شيْئاً إذا هو اختزل الحياة في عالَمه النرجسي الضيِّق.

فأيْن الكبار الذين اغتيلوا من أجل أنْ ننعم بهذا النصيب من الحرية؟ أين(علولة ومجوبي وقنزات واليابس ويفصح وبشير جليد وعائشة جليد وبوضياف، وبوعلام بلَّحْول، وبلَّزهر وطوَّالي وفليسي وكريمة لحاج، والقائمة تطول)؟ أيْن كثيرون من المواطنين البسطاء ومن أفراد الجيش والأمن والشرطة؟ أولئكم الذين كان لهم الفضل في أنْ نبقى ونكتب.

وماذا نكتب؟

طُزْ، في الشعر والقصة والرواية إذا لم يكن شعار الكاتب:(( إنّ عصرنا لا يركع إلاّ أمام الفنان الذي تكون حياته خير تعليق على إبداعه ، وإبداعه خير تبرير لحياته )).

فالكاتب الكبير سلطة ثقافية ومعنوية، وقد يكون مَوْقفُه أعمق تأثيراً من أي حزب سياسي يقتات على فضلات السلطة. ولكنَّه إذا انْحَبَس في شرنقته، فإني أُشفق عليْه، وأتمنَّى أنْ يجد من يقرأه ذات يوْم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *