بقلم : هارون الكيلاني
مسلسل أولاد الحلال فتح لي شهية أن أتحدث مرة أخرى عن يوسف سحيري من أبواب و نوافذ أخرى
يوسف سحيري لم يأتي من الفراغ إنما صاحب حقيبة مملوءة بالتجارب و الحكمة .و كل دور يقوم به هو حياة جديدة بالنسبة له .النصوص تخاف من يوسف و في نفس الوقت تحبه لأنها ستكون بين يدي ممثل يعرف مهنته جيدا فالتفكيك و التحليل هو ما كان يقوم به يوسف دوما و يتدرب بشكل جاد مشغلا الذاكرة الشعورية …
يوسف سحيري ممثل طبيعي جدا ممنوع من التقليد و إن تميز عبر حركات معهودة ألفناها فيه من باب العشرة الطويلة و هي في الأخير أيضا حركات طبيعية لا يتعمدها و إن فعلها فبحسن أداءه تظهر و كأنها مبتكرة ( كيف يجلس .كيف يمشي .يبتسم ، يقضم أظافره ،أو يفرك لحيته أو يباعد شاربه ، كيف يمسك الأشياء و الأكثر من ذلك كيف يتحدث بعينيه و يرسل حوار مفهوما ). التمثيل عند يوسف هو فن و مهنة اختاره لأجل أن يجعل الحياة ممكنة.
بكل سلاسة يقدم أدواره المسنودة إليه و لأنه كما قلت طبيعي جدا فانه في كل مرة ينسينا يوسف الحقيقي و قد ذكر لي ذلك المخرج أحمد راشدي ( أن يوسف ليس ممثلا متعبا انه محاور جيد و مراوغ في البلاتوplateau يفهم ما يقوم به و يقدم لنا أكثر مما نتصور )
يوسف سحيري من الممثلين الذين لم يتوقفوا عند الهواية إنما كان يتصفح الكتب و يحاول أن يقرأ و يتعلم أكثر و سنه لم يتجاوز 12 سنة , أذكر جيدا شكله و هو جالس إلى الطاولة في قاعة اتخذناها آنذاك لتعلم المسرح نظريا ، اجل أذكر حركة كتفيه كيف يمسك قلمه و شكل أصابعه و طريقة كتابته و هو يثبت ورقته، كيف يستمع إلى الدرس المسرحي رفقة زملائه في الفرقة ( مصطفى صفراني ، الوليد بن سعدة ، سفيان مقنين ، الأمين قوال ،محمد شاعو …)
يوسف سحيري كان مستمعا جيدا لتعاليم ستاسلافسكي رغم أنه لم يتمكن من حفظ اسم ستاسلافسكي جيدا و مع اجتيازه مرحلة الطفولة إلى مرحلة اليافعين استطاع أن يصبح من العناصر الذين يعتمد عليهم ( مسرح الأغواط ) و خطى بثقة كبرى أول خطواته في مسرح فكري و ذهني في مسرحية الانتقال رفقة مصطفى صفراني في سن السابعة عشر لعب خلالها أيضا الأستاذ و المفكر و المرجعية الصوفية في المغرب العربي المعلم ( سعيدي بن جدو ) دور سيكولوجيا مهما بالنسبة لفريق العمل و سند متين في كتابة النص بالنسبة لي آنذاك كمخرج و مؤلف .كان لسعيدي بن جدو رحمه الله تأثير كبير فوقوف أي كان معه من الفريق لفترة وجيزة إلا و أخذ حكمة و تعلم شيئا جديدا .و لم تتوقف معارف الفريق خاصة يوسف و مصطفى و أمين و الوليد عند سعيدي بن جدو لكنهم تعرفوا أيضا على الأستاذ الشاعر ( سعودي بوزيد ) الذي حدثهم كثيرا عن الأدب الروسي و عن اللغة و الشعر في المسرح يوسف و الجماعة كان لهم الحظ في الجلوس إلى الدكتور و الفيلسوف مصطفى نورالدين قارة و أذكر جيدا كيف كان الجميع في سكون رهيب يحاول كل واحد أخذ أكبر قدر من الفهم كما اذكر أيضا الدكتور البروفسور بشير بديار و حديثه عن التاريخ و التراث و كيف كان يشجعهم على مواصلة الدرب ..آخرون أيضا أثروا مسيرة يوسف و أخوته في الفرقة و منهم ( الدكتور محمد بيتر ، الفنان المتخفي الزاوي خالد ،الرجل الإنسان بشير جرادي ،الموسيقار سليم دادة ، الباحث الحاج قدور ، شخصيات من أهل المدينة من بينهم الراحل المهندس محمد طالبي ، الأستاذ المجاهد حميلى بلقاسم ،الأستاذ فشكار لخضر ،الدكتور وذناني بوداود ، الفنان الطيب العيدي ،الأستاذ طاهر ديدي ،النائب محمد بوعزارة، الأستاذ لحسن دادة ،النائب رضا بوعامر ، الاستاذ و الناقد السينمائي جلول باخة ،المفتش ثامر شخوم ، الأستاذ محمد خشبة ،الروائية فاطمة العقون ، نائب حرزلي الناصر،القائد سليمان وعلان ، الشاعرة مي غول ،المؤلف الموسيقي جمال سنوسي ،الاستاذ و القائد طاهر خشبة ،النائب فوضيل بلباي ، الدكتور بوزياني خالد كل هؤلاء و غيرهم أعطوا من وقتهم و وقفوا مغ الفريق لأجل حركة مسرحية جادة و فريق متماسك و صناعة رجال الغد ( و أتحدث هنا عن رجالات مدينة الأغواط ) .
ركوب الحس الجديد لدى الفريق هو من شجعني كمخرج آنذاك للبحث عن الجديد و اللهب المنبعث من يوسف و مصطفى و الوليد زادني حماسة و كأننا الآن أمام تعاليم مدرستنا الجديدة في الأداء و المسرح بشكل عام ..تخلصنا من بعض الدروس السابقة و رميتها بدوري في أول مرور للوادي المحاذي للمدينة و رحنا نتفاعل مع بعض و نتدرب بشكل شاق رغم أنه جلب لنا المتاعب حتى مع اهالي ( مصطفى و يوسف و محمد شاعو ) كيف سأكلم والدة يوسف و اقول لها أن يوسف تخلص من الذاكرة الانفعالية و لم يعد بحاجة الى نطق اسم ستاسلافسكي صحيحا ، اكيد لن تفهمني و لكن المؤكد أن يوسف سيكون حاضرا كانسان صالح و طيب في عز أيام المستقبل .
يوسف الآن أمام مدرسة جديدة أجل انه يشتغل على طريقة سانفورد مسينير فهو سريع التفاعل مع المحيطين به و لمست هذا في الكثير من محطات حياته الأدائية يكفي أن يتواجد في عمل أفراده مؤمنون بالمهمة التي يقومون بها فينجح العمل نجاحا كبيرا …و في كل محطة يبدأ يوسف بالبحث و التنقيب عن أي شيء أغراض مادية أو معنوية يمكن أن تساعده على أداء دوره وصول إلى جسده إلى أخر شعرة من شاربه .و كان هناك سر آخر أننا كنا جميعا نعيد ما أخذته السينما من المسرح و نحول كل مسرحنا إلى سينما مباشرة جدا .
لا أذكر أن يوسف فشل في أداء دور ما إلى حد الساعة سواء في المسرح أو أمام الكاميرا و أذكر جيدا يوم اختاره المخرج فريمهدي محمد للعب معه ضمن فرقته طلب مني إذن المشاركة فقلت له لا تتردد و إنما عش المغامرة جرب مخرجا ثانيا و فرقة أخرى .أما أنا فكنت احدث نفسي ( ألا لعنة الله على مايرخولد و سانفورد ..هل حقا سيتأقلم يوسف ، هل سيجد من يكرر معه و يتفاعل معه ) و جاءت الجملة السحرية و التي أكيد أعطت ليوسف رغبة الانطلاق و التجريب نعم أحسست هذا عندما تحركت عيناه و شد بأسنانه على شفتيه قلت له ( اخلق عالمك الخاص بك و كن كالبدر جميلا يجلب النظر إليه و كن رجلا شهما في نفس الوقت فتبعث الرهبة في قلب من يقابلك ) .
نجاح يوسف في مسلسل ( أولاد الحلال ) و اعتبارا مني أن المسلسل ينتمي إلى الواقعية الجديدة و التي غالبا ما يستنجد المخرجون فيها بوجوه جديدة غير ملوثة و لديها قوة الأداء دون أن تشكل خطرا على بنياتهم الحسية في المستقبل .
فعلها يوسف هذه المرة في مسلسل ( أولاد الحلال ) منتصرا على النص أولا لأنه لم يكن صعبا عليه في المعنى و استطاع أيضا أن ينسينا كعادته في دوره السابق , من يشاهد يوسف في أولاد الحلال لن يتذكر ابن باديس و إذا تذكر سيستغرب في سحر يوسف الأدائي ، نعم فعلها يوسف كما يفعلها نجوم هوليوود راوغنا جميعا و صنع شخصية جديدة مغرية و عطوفة و شجاعة اسمها ( زينو ) .
لن أخوض كثيرا في تفاصيل اخرى و التي ستكون حاضرة في كتابي الذي سيصدر في المستقبل عن يوسف و أخرين ممن أسسوا و قدموا الكثير و بشكل جاد للحركة المسرحية بالمنطقة
سحيري يوسف … الممثل الأجمل من جيمس دين و القادم بأكثر من وهج آل باتشينو …
يوسف سحيري المخرج السينمائي الكبير في الغد القريب
تصميم الصورة : abdelaziz al kilan