بقلم : إبراهيم قارعلي

لم أتعرف على الأستاذ الإعلامي عبد الله قطاف عن قرب إلا بعدما التحقت برئاسة تحرير صحيفة الشروق اليومي بدعوة كريمة من الأخ بشير حمادي التي كان مدير تحريرها ، وذلك بعدما خرجت الجريدة من دار الصحافة بأعالي القبة إلى شارع محمد خميستي بجانب البريد المركزي .

لقد كادت تخونني الذاكرة ، كان قبل ذلك ، يجب عليّ أن أذكر أنني كنت قد التقيت عبد الله في مقر أسبوعية الشروق العربي ، كانت يومية الشروق اليومي يومذاك في انطلاقتها الأولى ، لقد كان اثنان من شركاء الجريدة اليومية يحسبان الأوراق النقدية المهترئة التي جلبها الموزعون من عملية بيع الجريدة ، لقد كان المنظر للأسف أشبه بباعة السمك !!!…

وللأسف ، لم ألتحق بالجريدة في طبعتها الأولى على الرغم من أنني قد كنت في بداياتها الأولى أراسلها من مدينة بشار باسم مستعار من خط النار !!!…

لقد كان مكتبي بجانب مكتب الأستاذ بشير حمادي بل أقول إن طاولتي كانت بجانب طاولته ، إننا قد كنا نقتسم مكتبا واحدا في الطابق الثاني ، وعلى ما أذكر لم يأخذ بشير عطلة صيفية ولا عطلة مرضية من سنوات ، بل منذ تأسيس جريدة الشروق اليومي ، ولم يكد يمضي أسبوع على التحاقي بالصحيفة حتى أصيب بشير بزكام حاد قد جعله يغادر المكتب إلى البيت على عجل بعد الظهر ، ولم أكن يومها قد تأقلمت مع الفريق الصحفي الجديد أو الوضع الإعلامي الجديد ، بل إنني لم أكن أعرف كيف أرسل المادة الإعلامية عبر أجهزة الإعلام الآلي إلى القسم التقني من أجل إخراجها ، وذلك طبعا بعدما أراقبها ويفعل فيها مقص رئيس التحرير فعلته مثلما يفعل ذلك مدير التحرير بقلمه الأحمر !!!..

ذهب بشير وتركني وحدي في الجريدة أسبح مثل سمكة جديدة في حوض الكواريوم ، خاصة وأنني لم أكن أستعمل الإعلام الآلي في الممارسة الإعلامية حيث كان الحاسوب يخيفني كثيرا ، بل كنت أرى نفسي من سابع المستحيلات بل من ثامنها أن أتخلى عن القلم والورقة ، ذلك أنني تربطني علاقة عشق صوفي بصرير الأقلام وحفيف الأوراق ورائحة الحبر الزكية !!!…

لا أدري كيف مرّ عليّ ذلك اليوم العصيب ، ولا أدري كيف أنهيت عدد ذلك الغد أو عدد اليوم الموالي ، وخاصة الصفحة الأولى التي تعد آخر صفحة تنجز في الجريدة ، ولا أدري لماذا لا نسميها الصفحة الأخيرة مادامت هي آخر الصفحات المنجزة ، ولا أدري أيضا لماذا لا نسمي الصفحة الأخيرة الصفحة الأولى مادامت هذه الصفحة تنجز ضمن الصفحات الأولى أو ما نسميه بالصفحات الميتة خاصة وأن الصفحة الأخيرة قد كان ينفرد بها كتاب المقالات التحليلية والأعمدة الصحفية ، مثلما كان الشأن مع سعد بوعقبة وعلي رحالية والشيخ عشراتي وإبن خلدون والنذير مصمودي .

آه ، لقد أنهيت عدد الجريدة بسلام وفي الوقت دون أي وقت إضافي .! بل إنني قد أنهيت الصفحة الأولى ولم يبق إلا أن ترسل صفحات الجريدة إلى المطابع في الوسط والشرق والغرب ، حيث كانت الجرائد يزاحم بعضها بعضا ، لم أرسل الصفحة الأولى إلى الطبع قبل أن يطلع عليها الأستاذ عبد الله قطاف باعتباره المدير العام مسؤول النشر ، لقد جاءني مخرج الجريدة بالصفحة الأولى بعدما أنجزها وبمجرد أن صححت بعض الأخطاء المطبعية وأجريت عليها بعض الرتوشات التقنية أو الفنية ، حملت الصفحة الأولى إلى مدير النشر ، وما إن وضعتها على مكتبه حتى قال لي : ما هذا ، قلت : إنها الصفحة الأولى من أجل أن تطلع عليها وتؤشر عليها قبل إرسالها إلى المطبعة ، ضحك عبد الله وقال لي : صاحبك بشير يضع فيك كل ثقته ، ثم آتي أنا مثل الشيطان أفسد هذه الثقة وهذه الصحبة ، وأقسم أنه لن يطلع عليها إلا بعدما تصدر الجريدة في الصباح وتوزع على الأكشاك ، ويقرأ الجريدة مثل بقية القراء !!!..

لك المجد كل المجد أيها المعلم عبد الله قطاف ، يا الله أنت المدير العام مسؤول النشر في أكبر جريدة وطنية ، لا ترى في نفسك الكبيرة سوي قارئ صغير ، ما كان لك أن تكون من كبار الكتّاب الصحفيين الجزائريين لو لم تكن ذلك القارئ الكبير ، أوَليس الكاتب الجيّد هو نفسه القارئ الجيّد !!!..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *