بقلم:وهيبة سليماني
العشق الممنوع موضوع قصتي “الهزيمة الأخيرة” الحائزة على المرتبة الأولى في مسابقة “قصص على الهواء” التي تنظمها مجلة العربي الكويتية بالتعاون مع إذاعة بي. بي. سي العربية.
الهزيمة الأخيرة
تلهو في نفسها طفلة ماكرة تستلذ الهزيمة!
وقفت أمام المرآة وتزينت له… تتحول معاناتها كلما يعود إليها لذة تضيء أنوارا في سراديب أيامها الذاهبة سهوا.
تتحدث في نفسها “أريد هزيمة كبرى اجتاح بها عواطفه، احتل بها قلعة قلبه، اطرد منها زوجته الشقراء”.
طموحاتها لتحقيق الهزيمة أفقدتها أشياء كثيرة، منذ سنوات تعودت أن تنام كل ليلة على صوته الرخيم.
يقول لها”أذوب في حبك”..تطلق ضحكة ساخرة!.
“ما أحلى الشعور بالنصر!”…انكسر شيء في داخلها فجأة “آه..أي نصر؟!”.
عندما تكون وجها لوجه مع الواقع تدرك أنها انهزمت أمامه من أول المعركة، ثم تتملص من زمام الحكمة لتتوه في خداع نفسها.
كان العمر بينهما مستقطعا من زمن الحروب والهزائم، عهدا ذهبيا يهزأ بامرأة استلذت مبارزة قائد الجيوش…تكبله بأحاسيس العطف والشفقة، فيرمي سيفه جانبا، تهرول صوبه وتلقي جسدها العليل بين أحضانه.
هكذا عودها في كل مرة.. يغيب عنها طويلا… يهملها.. يضعها في درج مكتب أغراضه المهملة في لهاث السعي وراء تدرج الرتب وتعليق الأوسمة.
لا يتذكرها إلا حين يتفرغ لنفسه المتعطشة لهستيريا الحب العابر.
تحلم هي بالمستقبل … تحجب ضعفها وملامح وجهها الحزين وراء نقاب نسجته بابتسامات فاترة… تتوهم كلما هاتفها أنها قطعت شوطا مهما في تحقيق حلم مؤجل.
فكرت جليا كيف تغسل من صدرها ذكراه، وكيف تنساه، لكنها تمسكت بخيط دخان!.
صوته الخافت العذب يلامس مشاعرها، يعشش في مخيلتها فيحمسها لحروب عواطفها المتأججة، و هزيمة أخرى له تفتح بها دولة من دويلات قلبه.
أحست فجأة بأنها تقبض بيدها النصر…”أي نصر؟!” قالت وهي تتطلع في المرآة.
طالت وقفتها أمامها… غشيت صدرها غصة محرقة، وسرت بين جوانبها رجة دامية، فتحت عينها عن الحقيقة.
التجاعيد!…بياض صدغيها!…صورة مؤلمة تعري عن آلام خفية خرساء، عن مرارة السقوط في هوة العمر.
لقد تشاغلت بلذة الهزائم الصغرى، وأنفقت عليها عواطفها وسنوات عمرها المزهرة لأجل إمبراطورية النصر!.
أخذت تضم قلبها من الحسرة وتبكي…تبكي…تبكي والألم يعصر قلبها.
قررت أن تغيب عن موعده هذه المرة… جردتها سنها من سلاح المواجهة… فسقطت على سريرها كجذع شجرة أجوف ظل واقفا في وجه الرياح.
هاتفها يرن إلى جانبها فمدت يدها إليه بحركة آلية، وضغطت على الزر لتقطع رنينه، كأنها تقطع أحبال الوهم التي تعلقت بها طويلا.
وبقيت صامتة كأن أحاسيسها تبخرت مع دموعها، و لم يبق بها إلا زفرة تميزها عن الموتى.
ألو… ألو… حبيبتي انتظرك بشوق… لا تتأخري!..لماذا لا تتكلمين؟!… لماذا لا تجيبينني؟!…ألو…ألو…ألو…
ضغطت على الزر مرة أخرى لتقطع المكالمة وتعترف بالهزيمة الأخيرة.