فلو يرجع الإنسان بذاكرته إلى الوراء لوجد الجوائح ( الطاعون ، والوباءات المختلفة ) رافقت الإنسان منذ بدء الخليقة ولكن تختلف في التسميات والهدف واحد كون ان الإنسان مطالب بالدفاع والصراع واليقظة والتعايش
والاستعداد والحذر والاحتياط. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَآمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعَا}
النساء: 71، وقال عز وجل: {وَإذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ
الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ
عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إن كَانَ بِكُمْ
أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ
وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا} النساء: 102.
– أول إجراء يمكن القيام به تجاههم كما قال ابن عاشور رحمه الله: «وابتدأ بالأمر بأخذ الحذر وهي أكبر قواعد لاتقاء خدع الأعداء التقليديين . وإنما كورونا عدو مختلف… يجب الإعداد المختلف …يقول الله تعالى
‘(وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ )..
. فالإعداد يختلف حسب طبيعة العدو فهذا العدو بدأ بالجيوش فأدخلها إلى ثكناتها و الاستسلام والحجر، منع الناس من التحرك والسير في بلدانهم منعهم من السفر فرق بين الأهل والأقارب وقطع العلاقات واوقف المصانع هدد الأمن القومي للبلدان هدد الأمن الصناعي والأمن الغذائي ،سوى بين الناس لافرق بين غني والفقير بين الرئيس والمرؤوس …يشبه حالة وصف الله تبارك وتعالى بها عباده المؤمنين ‘(إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا. هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا.. الأحزاب)
عدو خلف الأسوار..
فالحياة لا تتوقف ،أي ضرورات الحياة والمحافظة على الكليات لا تتوقف…كالأكل ، والعمل ، والزواج ، الخ.
فلو أن الإنسان توقفت حياته في عهد الاستعمار 130 لأنقرض فمحاربة فيروس الاستعمار لا يختلف عن فيروس جائحة كورونا فالمخاطر نفسها …
فهناك من المفكرين والعلماء والفلاسفة الذين كتبوا ودعوا للحياة والتعايش وعدم التيئيس والاستسلام للوباء زيادة على الوقاية فهي غير كافية إذا لم تتبع بمحفزات معنوية ، كقولهم (الحب في زمن الطاعون ) (الحب في زمن
الكوليرا) (الحب في زمن كورونا) (والزواج في زمن كورونا ) هذه الأيام بدأت تظهر بوادر الخروج من الأزمة
والمجتمع الآن يواجه عدواً مشتركاً، بعد أن أصبح في حالة حرب مع فيروس يقتل الناس، ويهاجم الاقتصاد الحقيقي والتجارة في الصميم، و أصبحت الكثير
من العائلات تكافح من أجل البقاء.
وغيّر من حياة العديد من الناس ، فتغيرت العادات اليومية من العمل إلى الأكل وحتى الترفيه وغير ذلك من حياتنا اليومية والاجتماعية كالزواج ،والختان وغيرها الأشياء الضرورية للحياة ولا تقوم الحياة إلا بها وتوقيفها توقيف للحياة والتعايش معها التعايش يعني التعايش مع الحياةودليلنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع
ألا تَقوم حتى يَغرِسَها، فليَغرِسْها))
فمن فوائد الحديث: الترغيب العظيم في اغتِنام آخر فرصة من الحياة.
وزرع ما ينتفع به الناس بعد الموت؛”الغرس” توحي بالحركة والحياة الجديدة ليجري أجرُه للإنسان، وتُكتَب له صدقته إلى يوم القيامةضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل بالفسيلة، وهي: صغار النَّخل، ولا يلزم من ذلك أنه إذا كان بيد الإنسان شيء آخر غير الفسيلة أن يدَعه ولا
يتصرف فيه.
ألا يتوانى المسلم في عمل الخير والدعوة اليها .وغرس الحياة يعني غرس الأمل وأن يكون إيجابيًّا مُنتجًا، وفاعلاً في حياته ومجتمعه.
والتفاؤل بالوقاية والأمل في الشفاء النهائ من جائحة كورونا ، والتطلُّع إلى المستقبل بنظرة مشرقة.
وديننا يدعو إلى العمل، وبذل الأسباب، والوقاية وأخذ الحيطة والحذر وعدم الركون إلى العجز والكسل.
وأنَّ الإنسان إذا استحضر النية في أي عمل كأخذ الأسباب الوقائية منالتباعد ولبس القتاع الواقي فإنَّه يؤجر عليه، فإذا نوى الإنسان وقاية نفسِه، ووقاية عائلته ، فإنه يُثاب عليه.
بقلم الأستاذ/ قسول جلول
باحث وإمام مسجد القدس ـ حيدرة ـ