في زمن وباء كورونا القلوب تلين ، والتضحية تزداد، الحياة تستمر والمطالب تزداد وتعلوا القيم المجتمعية ويظهر التضامن
والتعاون في أبهى صوره ويزداد الاهتمام بالفئات الهشة لتخفيف آلامهم من هذه الفئات …المعوزين ، والمسافرين وغيرهم ومن هم بحاجة إلى أكلة ساخنة لإحيائهم …
وأعمال التضامن في مجتمعنا عبر التاريخ وعلى جميع الأصعدة في جميع مجالات الحياة فهي صفة ملازمة للمجتمع وتظهر إرادة الخير المتأصلة فيه، والتبرع والعناية بالفقراء والمعوزين عملية تضامنية تدخل الفرحة والسرور على الصائمين والذين لايجدون طعاما وهم صائمون فإذا كانت المطاعم تغلق أبوابها في رمضان فإن قلوب الجزائريين مفتوحة للصائمين والمسافرين فعندما يحين وقت المغرب وأنت مار في طريقك في القرى في الأرياف بل في كل مكان
تجد من يطعمك ويفرخ بإطعامك سواء كنت فردا أو جماعة أو مع عائلتك فهي صفة وسلوك إسلامي ينبع من تعاليمنا الإسلامية وثقافتنا الدينية فالمجتمع يعرف قيمة الإطعام وفض الإطعام وأجر الإطعام … وأنّ إطعام الطعام في كلّ وقت هو خيرٌ وفضلٌ يسوقه الله -تعالى- لعباده، حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أنَّ رَجُلًا سَأَلَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ الإسْلَامِ خَيْرٌ؟ قالَ: “تُطْعِمُ الطَّعَامَ،
وتَقْرَأُ السَّلَامَ علَى مَن عَرَفْتَ ومَن لَمْ تَعْرِفْ”،فإطعام الطعام هو خير الأعمال بعد الإيمان وأداء الفرائض، شريطة أن يكون إطعام الطعام هذا الطعام لوجه الله تعالى وفي سبيله لا رياءً ومفاخرة،وأمّا في رمضان فإطعام الطعام يتزايد أجره لما فيه من تفرّغ الصّائمين للعبادة وفراغ قلوبهم من كلّ شيء سوى العبادة والطاعات، وقد روي عن رسول الله- -صلّىالله عليه وسلّم- أنّه قال: “من فطَّر صائمًا كان له مثلُ أجره،غير أنه لا ينقصُ من أجر الصائمِ شيئًا”، فحسب المسلم هذا الحديث ليكثر من إطعام الطعام في رمضان،إنّ الله حينما ذكر صفات أصحاب اليمين ذكر من صفاتهم أنّهم يطعمون الطعام في أوقات الجوع، فقال تعالى في سورة البلد: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِوَ تَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ}، فإطعام الطعام في الوقت الذي لا يجد المسلمون فيه طعامًا هو أفضل من سائر الأوقات ومن فضل إطعام الطعام في شهر رمضان -وفي سائر الأوقات كذلك- أنّه من موجبات دخول العبد الجنّة؛ لقوله -صلّى الله عليه وسلّم- فيما صحّ عنه: “اعبدوا الرحمنَ، وأطعموا الطعامَ، وأفْشُوا السّلامَ تدخلوا الجنةَ بسلام ومن فضل إطعام الطعام كذلك أنّه يقي من النار؛ وذلك لقول رسول الله
-صلّى الله عليه وسلّم-“اتَّقُوا النَّارَ ثُمَّ أعْرَضَ وأَشَاح، ثُمَّ قالَ: اتَّقُوا النَّارَ ثُمَّ أعْرَضَ وأَشَاحَ ثَلَاثًا، حتَّى ظَنَنَّا أنَّه يَنْظُرُ إلَيْهَا، ثُمَّ قالَ: اتَّقُوا النَّارَ ولو بشِقِّ تَمْرَةٍ، فمَن لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ”، وفي هذا الحديث دعوة صريحة للتّصدّق الذي يُفضي إلى إطعام الطعام في شهر رمضان أنَّ ذلك من أفضل الأعمال، ومن فضل إطعام الطعام أنّ المُطعِمَ له أجرٌ مُضاعَفٌ من الله تعالى؛ فقد روي عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنهم ذَبَحُوا شاةً فقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما بَقِيَ منها ؟ قلْتُ: ما بَقِيَ منها إلَّا كَتِفُها. قال: بَقِيَ كلُّها غيرُ كَتِفِها”؛ أي: إنّ الذي تصدّقوا به للفقراء والمساكين هو الذي بقي لهم عند الله –عزّ وجلّ-
ذُخرًا للدّار الآخرة فالوثبة المجتمعية التي ظهر بها في هذا الوباء يجب أن ننادي بإحياء القيم كالتبرع بالإطعام وفتح بيوت الرحمة والتعاون على البر والتقوى والتعبير عن التضحية ونشر ثقافة التطوع وتسديد ومرافقة وتأطير العمل التطوعي ، لغرس ثقافة التعاون فالناس في الفهم الديني عندهم إن أراد أحدهم الحسنات والقربات والتقرب إليه بالفرائض والسنن التعبدية والعمرة والحج هذا مطلوب ومحمود…ويعتنون بذلك ويتركون كليا أوجزئيا الفرائض المعاملاتية كالتعاون لرفع الغبن والحرج على الناس والتخفيف من معاناتهم . فكلكم سمعتم حديث الني صلى الله عليه وسلم ..”الخلق عيال الله وأحبكم إلى الله أحبكم لعياله إن إطعام الطعام في رمضان وفي غيره ابتغاء مرضاة الله يعد من أفضل القربات التي يتقرب بها المسلم لرب العباد.
إن أعمال التضامن في مجتمعنا عبر التاريخ وعلى جميع الأصعدة في جميع مجالات الحياة فهي صفة ملازمة للمجتمع وتظهر إرادة الخير المتأصلة فيه.
ومن ذلك عملية إطعام الطعام وفتح بيوت الرحمة للمعوزين والمسافرين فهي صدقة…وقرض حسن لقول الله عز وجل من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم الآية 11من سورة الحديد
حتى إن الله تعالى يتقبلها بيمينه ويضاعفها أضعافًا كثيرة إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله قال تعالى: مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم. البقرة الآية 271.
بل إنه صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن إغاثة الحيوان المحتاج إلى الطعام أو الشراب له عظيم الأجر عند الله، كما في حديث الرجل الذي سقى كلبًا عطشانا وجده يلهث يأكل الثرى من شدةالعطش فملأ خفه ماء من البئر وأمسكه بفيه وسقاه حتى ارتوى قال النبي صلى الله عليه وسلم في المتفق عليه عن أبى هريرة رضي الله عنه: فشكرا لله له فغفر له، قال الصحابة دهشين: أئن لنا في البهائم لأجرًا يا رسول الله. قال: نعم في كل كبد رطبة أجر . هذا إن كان حيوانا أو كلبًا فما بالك بالإنسان؟ وما بالك بالإنسان المؤمن؟. وما بالك بالإنسان المؤمن الجار؟ وما بالك بالإنسان المؤمن من ذوي القربى؟
وما بالك بالصائم.
الأستاذ/قسول جلول
باحث وإمام بمسجد القدس /بلدية حيدرة