شهدت العقود الأخير مظاهر في تشييع الجنائز لاينبغي لها أن تكون حيث تحولت الجنائز إلى أسواق وعذاب .
البعد المقاصدي لتشييع الجنائز ذكرى لأولي الألباب …
وفي الحديث الذي رواه الطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كفى بالموت واعظا. وأي واعظ أبلغ من هذا الواعظ،وصدق من قال:”كل ابن أنثى وإن طالت سلامته * يوما على آلة حدباء محمول.”
الاسباب التي جعلتني أكتب حول هذا الموضوع ؟للمناقشة وإبداء الرأى أن أحد أعيان بلدية ما عند وفاته وتشييع جنازته أغلقت البلدية تماما توقفت حركة المرور مما اضطر المسافرين والعمال إلى التوقف وتعطيل وتوقف مصالح الناس الخ
حضور قياسي وكبير جدا لصلاة الجنازة صف كبير من الحافلات والسيارات يمتد لحوالي 2 كلم على جوانب الطريق
كانت تشييع جنازته وبالا على البلدية بكاملها وأثناء دفن الجنازة يسير الناس جماعات كأنهم في سوق يتبادلون أرقام الهواتف وتحديد مواعيد.الزيارات يتركون مكان عملهم يتحججون بتشييع الجنازة وقد لا يصلون لا على الجنازة ولا غيرها .
جعلني أتساءل هل الاسلام جعل لتشييع الجنازة ضوابط وما هي ؟
يقول لنا الفقهاء، أن صلاة الجنازة من الكفائية؛ التي إذا قام بها البعض سقط الإثم عن الباقين، وإن تركوها جميعًا أثمُوا، وقد رغَّب الشرع فيها وعظَّم أجرها وجعلها من حقِّ المسلم على أخيه؛ وجعل لها آدابًا شرعيةً عامةً؛ منها: التزام الخشوع، والمبادرة والمسارعة إلى حملها للقبر، ، وألا يُتَحَدَّثَ في تشييعها بأحاديث الدنيا.فهي عبرة من أراد أن يعتبر
إذا قلنا رغب فيها الإسلام وجعلها حق ال/سلم على أخيه أي نعم أين الحقوق الأخرى كزيارته عند المرض وغيره
وأما الأمور الإجرائية في تشييعُ الجنازة وتلقي العزاء؛ كانتظار الجنازة عند المقابر، أو ترك الجنازة فهي تخضع لظروف الناس وأعرافهم، ولا حرج فيها ما دامت لا تخالف الشرع الشريف، غير أنَّ الإنسان كلما استكمل إجراءات التشييع والعزاء كلَّما كان أكثر ثوابًا وأعظم أجرًا.
وكذلك الحال في مكان الصلاة على الجنازة فصلاتها في المسجد أو غيره أمر جائز شرعًا، وحيثما وُجِدَ الخلافُ وُجدت السَّعة، وأمر ذلك راجعٌ لعادات الناس واختياراتهم وأحوالهم، ولا يُنْكَر شيءٌ من ذلك ما دام جاريًا على معنى صحيح، وعلى المسلمين أن لا يجعلوا من هذه الأمور مثارًا للخلاف أو مدخلًا للفتنة.
تحولت البساطة في تنظيم مناسبات الجنائز بعفويتها إلى تكلف وتصنع وسباق محموم نحو التباهي والتظاهر فبينما كانت في سنوات خلت مثالا للتضامن على مستوى مشاعر الحزن والألم إذ كان الجيران وأهل الحي يتآزرون وتبدو عليهم أحاسيس الحزن لفراق المُتوفى.
فًلابد من الرجوع إلى الهدي النبوي لتصحيح الخطأ وترسيخ الصواب ولقد جاء الإسلام ليضبط هذه الأعمال وفق ضوابط ربانية لتحقق المقاصد المرجوة منها في الدنيا والآخرة ومن أهمها تحقيق سعادة الإنسان في الدارين من خلال درء المفاسد وجلب المصالح قياما بمقتضيات الاستخلاف وتحقيقا للعبودية لله وحده لا شريك له .
قادتني الضروف هذه الأيام إلى إحدى الولايات الداخلية وصادف وجودي وفاة كبير القوم في قرية صغيرة ووجودي فرض علي واجب العزاء وحضور الجنازة وكما أنني معروف لديهم بأنني إمام ومنهم من يناديني الشيخ ومنهم ينظر إليك كأنه يقول لي عظنا يا شيخ ؟ قل لنا كلمة بالمناسبة .؟فما كان مني إلا أن دعوتهم .فاستجابوا فقلت في نفسي هذه مناسبة للموعظة .فذكرتهم بمصيبة الموت ؛فهي صورة ودرس عملي ترى الأحياء يذهبون ولا يعودون يتركون كل جميل عندهم وكل قريب لديهم؛وهذا المشهد كأنه يقول لنا كفى بالموت واعظا .
وقلت مادام الأمر كذلك فخير الزاد التقوى فتزودوا لأن السفر طويل !
لكن شد انتباهي أن المراحل التي تمر فيها الجنائز في عدد من مناطق الجزائر تميل إلى أن تكون أفراحا رغم أن الموت في العادة هو رديف لمشاعر الحزن والألم التي تنبعث في النفس وتهزها من الداخل هزا بعد فقدان عزيز أو قريب فهي في تصرفات ومظاهر العصبة القريبة من الأبناء والأقارب والجيران تكون أفراحا لا أحزانا وأعراسا لا مآتم.
وتحولت العديد من مناسبات العزاء والمآتم إلى أشبه ما يكون بحفلات الزفاف خاصة في ما يتعلق بالحرص على توفير وجبات الأكل بمختلف أصنافها للمعزين و المدعوين من خلال تنظيم حفلات للعزاء من لدن شركات مختصة في تحضير الولائم أو في ما يتعلق بحضور الرجال والنساء وعلامة الفرح بادية على وجوههم إلى مناسبات العزاء لمواساة عائلة المتوفى.
وتبدأ طقوس المأتم الفرح في الجنائز في بعض المناطق بالمغرب من المقبرة بعد يوم وفاة الفقيد حيث تحمل عدد من النساء بعض الأطعمة ويوزعونها على الحضور يسمونه يوم (المصابحة )
بعض العادات التي تشهدها الجنائز في منطقتنا التي ننتمي إليها بضواحي الشلف حيث يحرص أهل الميت على أن تكون وجبة الغداء التي تُقدَّم للمعزين وجبة كاملة كأنها عرس في أجواء تكاد تشبه حفلات الأعراس سوى أنه في مناسبات العزاء لا يوجد غناء ولا رقص فقط.
كما ذكرنا ولولا أجواء الحزن أو البكاء الذي قد يُسمع من داخل بيت المتوفى لظن المارُّون و العابرون أن المناسبة حفل عرس أو عقيقة وليس مناسبة حزينة تتعلق بوفاة.
وأن ما رأته في عدد من مناسبات العزاء جعلتني نستغرب من التحولات التي حدثت في المجتمع الجزائري الذي كان في سنوات خلت مثالا للتضامن على مستوى مشاعر الحزن والألم إذ كان الجيران وأهل الحي يتآزرون وتبدو عليهم أحاسيس الحزن لفراق المُتوفى.
لكن حاليا انقلب الوضع رأسا على عقب حيث لم يعد للحزن الحقيقي مكان في القلوب وتحولت البساطة في تنظيم مناسبات الجنائز بعفويتها إلى تكلف وتصنع وسباق محموم نحو التباهي والتظاهر بما تمتلك كل أسرة من قدرة على شراء مالذ وطاب من الأكلات
وأصبح الناس يتكلمون في كل شيء إلا الموت يتعارفون فيما بينهم يتبادلون أرقام هواتفهم !وأصبحت الجنائز مناسبة للمتطفلين يأتون من كل مكان لا بسبب الأجر والمشاركة في تشييع الجنازة وإنما لملاقات وزير لملاقاة مدير لملاقاة مسؤول ! وأفرغت الجنازة وما يليها من العزاء ومشاعر الجزع والأسى من محتواها فأصبحت المناسبة مجرد فرصة للقاء والمواساة باللسان دون إعمال القلب.
فلابد من الرجوع إلى الهدي النبوي لتصحيح الخطأ وترسيخ الصواب ولقد جاء الإسلام ليضبط هذه الطقوس وفق ضوابط ربانية لتحقق المقاصد المرجوة منها في الدنيا والآخرة ومن أهمها تحقيق سعادة الإنسان في الدارين من خلال درء المفاسد وجلب المصالح قياما بمقتضيات الاستخلاف وتحقيقا للعبودية لله وحده لا شريك له .
إن الدين لا يقبل كل تلك المظاهر التي تعمد من خلالها الأسر إلى التباهي والتفاخر ـ عن قصد أو عن غير قصد ـ عبر إقامة الأكل وصنوف الشراب
وإن كان ولا بد استدعاء قارئ للقرآن ليرتل كلام الله تعالى باعتبار أن القرآن هو خير وأعظم واعظ مصداقا لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ للمؤمنين .
والمفروض في الوليمة أن تكون بسيطة وعفوية مادامت تتعلق بمفارقة الدنيا وزخرفها ونحي منظومة القيم والسلوكيات.من التآزر والتفاني والانصهار في بوتقة أحزان الآخرين وخدمتهم فقليل ما هم الذين يلتزمون أحكام الجنائز كما وردت في السنة المطهرة وينبذون البدع ومحدثات الأمور والأغلبية الساحقة من المسلمين أدخلوا الكثير من العادات والتقاليد بل والاعتقادات في هذه الأمور التعبدية
حيث يعاني أهل الميت بالإضافة إلى آلام الفراق والحزن على موت قريبهم يعانون التكاليف الباهظة للعادات التي يرون أن من الواجب المحافظة عليها وكأنها جزء من الدين نفسه .
بقلم الأستاذ/قسول جلول
باحث وإمام مسجد القدس حيدرة