بقلم: عاشور فني
أن تلدغ عقرب إنسانا فهذا ليس حدثا اتصاليا. الحدث هو أن يلدغ انسان عقربا.
الجهد الاتصال الذي بذله والي البليدة المعزول في سياق الأزمة التي عصفت بالرأي العام عند ظهور حالات الكوليرا من أجل التكفل بالوضع وتفسير الملابسات وشرح الإجراءات التي تم اتخاذها عبر وسائل الاتصال المختلفة جدير بالتنويه حقا. الاتصال الخاص بالأزمات له قواعد ووسائل وادوات خاصة. لو قام كل الولاة بمثل ذلك الجهد في كل الحالات العادية من أجل توضيح ما تقوم به الإدارة المحلية لكان للدولة صورة اخرى. لكن الوضع خاص جدا. فماذا كانت النتيجة؟ عزل الوالي. قد تكون هناك اسباب وجيهة لعزله. فهو موظف حكومي يخضع للقانون. لكن ما علاقة عزله بالاتصال؟ يرى البروفيسور علي قسايسية أن فرط الاتصال يسبب أزمة. الأستاذ عبد العزيز بوباكير نشر خبرا مفاده أن الوالي شاهد خبر عزله على شاشة التلفزيون. أي لم تكلف الجهات الرسمية نفسها عناء إبلاغه بالطرق الرسمية. ماذا يعني ذلك؟ ربما أفراطه في الاتصال اثار ضده مراكز قوى كانت تبيت لعزله فكانت المناسبة مواتية لعزله في حين كان يظن أنه يقوم بواجب الشرح والتفسير والإرشاد. كذلك الشأن بالنسبة لوزير الصحة. كان يرى من واجبه شرح قضية بيئية في ظرف غير موات على الإطلاق. بدا كما لو كان يجرم الضحية ويدافع عن العقارب. في حين أن الأمر يتعلق بسياسة وزارته : التكفل بالمرضى والمصابين وتوفير الوسائل والموارد البشرية اللازمة. اعتذاره زاد الطين بلة حيث اتهم الجمهور بعدم فهم تصريحاته. حالة مستعصية حقا. حالتان تظهر فيهما غياب فعالية الاتصال من جهة وتأثيره الكبير من جهة اخرى.
مسؤولو الإدارة المحلية -وخاصة الولاة-والادارة المركزية- والأمناء العامون – خريجو المدرسة الوطنية للادارة يتمتعون بكفاءة عملية واضحة. لكنهم في السنوات الأخير وجدوا فرصة للتدرب على الاتصال بالسكان وبوسائل الاتصال حتى أنهم أصبحوا اقدر على التواصل من بعض السياسيين والحزبيين الذين شوهوا صورة السياسة وصورة الأحزاب. ولعل ذلك هو ما اغرى السلطات العليا باختيار كثير من اطارات الادارة المحلية لتعيينهم في مناصب حكومية والاستغناء عن الشخصيات الحزبية حتى أن القسم الأكبر من أعضاء الحكومة الحالية ليسوا من الأحزاب ولكن من الإدارة المحلية والإدارة المركزية: ولاة سابقون وأمناء عامون للوزارات ومدراء شركات كبرى أو مدراء هيئات حكومية. نعم يمثل ذلك نوعا من تسييس الإدارة العمومية أو تحزيب البيروقراطية وفي نفس الوقت تبخيس قيمة الأحزاب وتتفيه السياسيين. هكذا حلت هواجس الإدارة البيروقراطية محل الممارسة السياسية في الحياة العامة. لم تعد هناك مناقشات تتعلق بالسياسة ولا بالمبادئ الكبرى. عوضنها المناقشات الجزئية والجوانب التنفيذية. هكذا حلت ممارسة السلطة محل الممارسة السياسية.
لكن الذي وقع هو أن بعض الوزراء لم يعد لهم قدرة على أداء الوظيفة التقنية المسندة إليهم في حين استهوتهم اللعبة الاتصالية فغرقوا فيها وبالغوا إلى درجة انهم حلوا محل المكلفين بالاتصال في وزاراتهم. وليتهم كانوا قادرين قادرين على القيام بها. الوزير الذي لا يحسن الكلام بلغة وظيفية ولا بلغة سياسية وأكثر من ذلك يغرق في رطانة تورطه أكثر مما تحل مشكلا بل تخلق مشكلات أخطر. حالة وزير الصحة مثالا.
كان بوزارة الصحة مكلف بالاتصال في منتهى اللباقة. على مدى سنوات عديدة كان وحده يرافق الإعلام ويقدم المعلومات في وقتها وبالكيفية التي ترافق الرأي العام خلال الأزمات السابقة: جنون القر وانفلوانزا العصافير وغيرهما. أين ذهب ؟ لماذا حل الوزير محله؟
هناك ايضا بعض المديرين المركزيين المكلفين بملفات الوقاية والتكفل والمؤسسات. لماذا حل الوزير محل الإدارات المركزية والمؤسسات؟
وعلى العكس من ذلك تماما فان بعض المسؤولين يهملون استعمال وسائل الإعلام فيبقون في الظل. ويمثل ذلك حماية لهم من الرأي العام. حالة وزير الاتصال نفسه. أين اختفى خلال هذه الأزمات التي تعصف بالرأي العام منذ بداية الصيف؟
في الهيكل التنظيمي للهيئات والمؤسسات المختلفة هياكل خاصة بالاتصال. خلايا اتصال ومكونات بالاتصال ومديريات اتصال وأعلام وغيرها. كان يفترض أن تؤدي وظائفها بمهنية في ما لة توفرت لها الإمكانات والحرية الكافية. ذلك هو الاتصال المؤسساتي. غير أن الشائع حاليا هو أن يتدخل المسؤول بنفسه ويحل محل الهيئة ويحكم رؤيته بدلا من الرؤى المهنية والوظيفية للاتصال. هكذا أصبح الوزير يلدغ والضحية معتديا والعقرب مواطنا صالحا!