كورونا … خوف مرض قاتل ….كيف عالجه الإسلام ؟
كيف قدم الأباء والأمهات والأطباء للأطفال مرض كورونا؟
في بعض الأفلام العنيفة فيها الدماء والقتل يكتبون عبارةـ ممنوع المشاهدة أقل من 18 سنةـ فبعض الأخبار في الحقيقة ممنوعة للصغار فكيف بهذا المرض القاتل …..
فالكبار يخافون من مستقبلهم ، وما قد يحصل لهم من تهديدات بوصول الأمراض إليهم أو زوال صحتهم وذهاب أهليهم وأقاربهم ومناصب عملهم ومكانتهم ؛ مما يؤدي إلى عدم تمكُّنهم من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، وقد يصل بهم الأمر إلى اضطرابات وعدة مشاكل صحية ونفسية، بسبب القلق،والقنوط واليأس ،والمستقبل المجهول ؟ فما بالك بالصغار…؟
هذه الأمراض حذر منها الإسلام فالخوف يجعلك من المستحيل التقدم خطوة واحدة إلى الأمام، بسبب السيطرة على تفكيره وجعله يشكُّ في قدراته؛ مما يضعف تقديره لِذَاتِهِ، وكون البعض يعتقد أن مستقبله غير معروف، فهذا كفيل بأن يخلق الشعور بالخوف، والخوف من المجهول أو المستقبل يندرج تحت اضطرابات القلق، وهي أكثر الأمراض شيوعا.
هناك ثلاثة قرارات في الحياة ينبغي أن يتخذها الإنسان ليجلب لنفسه السعادة، خاصة ونحن في زمن كثرت فيه الهموم والأحزان والقلق والاضطرابات النفسية؛ ذلك أن الحياة بما فيها من منغصات ومصائب وابتلاءات وفتن لا يجب أن تؤثر على مسيرة حياة الإنسان وعلاقته بربه إلى الحد الذي يصل فيه إلى حالة اليأس والقنوط والدنيا قد جُبلت على كدر منذ أن خلقها الله، وهي دار ابتلاء وامتحان، فالقرار الأول الذي يجب أن يتخذه من يريد السعادة
والراحة: نسيان الماضي، بأن يغلق على ملفات الماضي ويجعلها للذكرى والاعتبار.
وأما القرار الثاني: ترك المستقبل حتى يأتي بحيث لا تشغل ذهنك بالأيام القادمة فقد لا تصل إليها أصلاً، وفي المثل الياباني لا تعبر جسراً حتى تأتيه، وهذا صحيح، فقد لا تصل إلى الجسر أصلاً، وقد ينهار قبل أن تصل إليه، وقد تعبره سالماً، والاشتغال بالمستقبل وترك الحاضر معناه ضياع الفرصة الوقتية الحاضرة في العمل والإنتاج، وليس معنى هذا الكلام عدم الاستعداد للمستقبل؛ لأن الناجح في يومه هو المستعد حقيقة لمستقبله.
وأما القرار الثالث: هو أن تعيش في حدود يومك، فتعتقد اعتقاداً جازماً أنك لن تعيش إلا هذا اليوم، وأن حياتك يوم واحد فقط فتخطط لهذا اليوم وتعمل له وتملؤه نجاحاً وفلاحاً وصلاحًا، وتجتث من نفسك شجرة الشَّر، وتستلَّ من قلبك عقارب السموم والهموم والأحزان، وتحرص على الاستفادة من كل دقيقة في هذا اليوم الذي هو ملكك فقط؛ لأن الماضي ذهب إلى غير رجعة،والمستقبل في عالم الغيب، وهو غير مضمون كما قال الشاعر:ما مضى فات والمؤمل غيبٌ *** ولك الساعة التي أنت فيها
عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أنه قال:
“كُن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل”. وكان ابن عمر يقول: “إذا أصبحتَ
فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح، وخُذ من صحتك لمرضك،
ومن حياتك لموتك”. البخاري
وكان مما علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الأذكار أن نقول في الصباح عندما نستيقظ من النوم: “أصبحنا وأصبح الملك لله رب العالمين، اللهم إني أسألك خير هذا اليوم: فتحه، ونصره، ونوره، وبركته، وهداه، وأعوذ بك من شر ما فيه وشر ما بعده”. أبو داود ،
إن عمر الإنسان منا يسرق عندما يذهل عن يومه في ارتقاب غده، ولا يزال
كذلك حتى ينقضي أجله، ويده صفر من أي خير،في هؤلاء الذين ضيعوا أعمارهم سدى وتركوا الأيام تفلت من بين أيديهم يقول تعالى: (وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا
لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ) [الروم: 55.
فتوجيهات الإسلام للإنسان أن يعيش يومه ويقوم بما عليه من واجبات وتكاليف؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:”مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ،
عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا”. رواه البخاري
يقول الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله-: “إن الأمان والعافية وكفاية يوم واحد، قوى تتيح للعقل النير أن يفكر في هدوء واستقامة تفكيرًا قد يغير به مجرى التاريخ كله”.
إننا نرى من حولنا أناس طارت أفئدتهم لتسبق الأيام، فهم يعيشون مشكلات الغد، ويرهبون كوارث المستقبل، ويعدون العدة لهزيمة الوحش القادم! فيمر اليوم على حين غفلة منهم، ويضيع العمر وهم ذاهلون عن الاستمتاع به والشعور بالمنح والأعطيات التي أعطاهم إياها الله، عش يومك، استفد من تجارب الماضي بدون أن تحمل آلامها معك، خطط لمستقبلك من غير أن تعيش مشاكله وهمومه، ثق بخالقك الذي يعطي للطائر رزقه يومًا بيوم، هل سمعت عن طائر يملك حقلاً أو حديقة؟! إنه اليقين بالله والتوكل عليه والثقة بما عنده.
الأفضل قادم لا محالة شريطة أن تحسن الظن بخالقك، ولا تضيع يومك، سُئل حاتم الأصم: علام بنيت أمرك في التوكل؟! أي كيف بنيت حياتك وما سبب سعادتك واطمئنانك؟! قال: على أربع خصال: علمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمأنت به نفسي، وعلمت أن عملي لا يقوم به غيري فأنا مشغول به، وعلمت أن الموت يأتيني بغته فأنا أبادره، وعلمت أني لا أخلو من عين الله –عزّ وجلّ- حيث كنت، فأنا أستحي منه.
وكان الحسن البصري يقول: يا ابن آدم: لا تحمل يومك همّ سنة قادمة، فهذا اليوم الذي نعيش فيه نحمله قضية فوات الرزق وقضية الخوف من المستقبل المجهول، وقضية نزول الأجل وحلول الموت، فجاء الإسلام ليعلم كل فرد أن الرزق بيد الله، وأنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها، وأن هذا العالم بقوته وقدرته وأسلحته لن يستطيع أن يسلبك شيئاً من رزقك ولو كان شيئاً يسيرًا،: “دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- يومًا إلى مسجده المبارك فنظر إلى أحد أصحابه وجده وحيدًا فريدًا، ونظر إلى وجه ذلك الصحابي فرأى فيه علامات
الهم والغم، رآه جالسًا في مسجده في ساعة ليست بساعة صلاة، فدنا منه الحليم الرحيم -صلوات الله وسلامه عليه-، وكان لأصحابه أبر وأكرم من الأب لأبنائه، وقف عليه رسول الهدى فقال: “يا أبا أمامة: ما الذي أجلسك في المسجد في هذه الساعة؟!”، قال: يا رسول الله: هموم أصابتني وديون غلبتني، أصابني الهم وغلبني الدين الذي هو همّ الليل وذل النهار، فقال: “ألا أعلمك كلمات إذا قلتهن أذهب الله همك وقضى دينك”. صلوات ربي وسلامه عليه، ما ترك باب خير إلا ودلنا عليه، ولا سبيل هدى ورشد إلا أرشدنا إليه،
فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيًا عن أمته: “ألا أدلك على كلمات إذا قلتهن أذهب الله همك وقضى دينك؟!”، قال: بلى يا رسول الله، قال: “قل إذا أصبحت وأمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال”. قال:فقلتهن فأذهب الله همي وقضى ديني. رواه أبو داود
وأما الخوف من الأمراض (كورونا ) ومن المجهول ومن المستقبل الذي أرق الناس وجلب لهم القلق والهم فإن الإيمان عقيدة تنفث في روع المسلم وخلده،أن كل شيء في هذا الكون بيد الله، وأنه لن يحدث أمر من خير أو شر إلا بقدر الله، وأن ما قدّره الله وقضاه واقع لا محالة.
إن الله جل وعلا ما أنزل داءً إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله، وإن الله جعل فيما جاء به نبيه عليه الصلاة والسلام من الخير،والهدى والعلاج لجميع ما يشكو منه الناس من أمراض حسية ومعنوية ما نفع الله به العباد وحصل به من الخير ما لا يحصيه إلا الله عز وجل، والإنسان قد تعرض له أمور لها أسباب فيحصل له من الخوف والذعر
فعلي المؤمن التمسك بالأوراد الشرعية، ومن ذلك قراءة آية الكرسي خلف كل صلاة إذا سلم وأتى بالأذكار الشرعية يأتي بآية الكرسي يقرؤها بينه وبين نفسه اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255] هذه آية الكرسي وهي أعظم آية في كتاب الله وأفضل آية في كتاب الله عز وجل؛ لما اشتملت عليه من التوحيد العظيم والإخلاص لله وبيان عظمته سبحانه وتعالى وأنه الحي القيوم، وأنه المالك لكل شيء وأنه لا يعجزه شيء سبحانه وتعالى، فإذا قرأ هذه الآية خلف كل صلاة فهي من أسباب العافية والأمن من كل شر.
ومما يحصل به أيضاً الأمن والعافية والطمأنينة والسلامة من الشر كله أن يستعيذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاث مرات صباحاً ومساء “أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق” فهذا سلاح يحصل به العلاج وتحصل به الوقاية، فهو علاج لما قد وقع وعلاج لما لم يقع.
بقلم الأستاذ/قسول جلول
باحث وإمام مسجد القدس حيدر