إنَّ الإسراف والتبذير والتَّرف والمباهاةَ سلوكيات استهلاكية خطيرة كما أن التنافس بين الصائمين على تزيين موائدهم ونقل صورها عبر التواصل الاجتماعي للمباهاة والتنافس من يبذر أكثر من يأكل أكثر من يصرف أكثر واشتهرت هذه الآفة في السنوات الماضية بهذه السلوكيات السيئة.
والحمد لله هذه السنة اتفق المتواصلون عن طريق التواصل الاجتماعي على عدم نقل صورهم وإشهارها حتى لا يتألم الفقراء وتتعب الضعفاء ودعوا إلى عدم نقل صور موائدهم .
قال تعالى {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) تصوم وتبذر بحجة انك صائم وهل ينفعك صومك عندما تكون من إخوان الشياطين فتأمل لأنك لم تفهم معنى الصوم كفى بهده الآية واعظا لو تدبر الصائمون
هذه الآية لكفتهم .
ويقدرون المعنى هكذا:إن الصائمين المبذرين إخوان الشياطين، أليست هذه الآية كافية للمبذرين وصدق القائل: “ما رأيتُ إسرافاً إلا وبجانبهِ حَقٌّ مُضيَّعٌ.وقول الإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- كلمته المشهورة: ما جاع فقير
إلاَّ بما تَمتَّع غنِي ..هل الخلل فينا أم في رمضان .
تجتمع إجابتنا على أن رمضان شهر القرآن شهر لتدريب النفس على المكاره شهر التوبة والغفران .
شهر لمعرفة نعم الله علينا شهر تغلق أبواب النيران وتصفد فيه الشياطين شهر التقوى بشهادة القرآن. نذكر تلميحا استحياء من شهر القرآن.
إن ما نسمع و نرى ما يحدث في شهر الصيام ، من مظاهر الإسراف والتبذير في المأكل والمشارب، ولربما شاهد البعض منكم هذا الأمر مباشرة، من صورللطعام بأنواعه، والخبز بأشكاله، وهي مرمية في حاوية النفايات، مع القاذورات والمهملات، في طريق الصائمين وهم متوجهين إلى المسجد لصلاةالتراويح .
إن الإسراف والتبذير، مسلك خطير، وداء مهلك، ومرض ينبت أخلاقاً سيئة، ويهدم بيوتًا عامرة، وقد جاء التحذير منه في كتاب الله تعالى، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ
لِرَبِّهِ كَفُورًاالإسراء: 26، وعند البخاري في صحيحيه قال عليه الصلاة والسلام (كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالبَسُوا وَتَصَدَّقُوا، فِي غَيْرِ
إِسْرَافٍ وَلاَ مَخِيلَةٍ)وما نراه اليوم في شهر الصيام من تجاوز الحد في الإنفاق والبذخ، والتفاخر بالموائد والأطعمة. ، والتنافسٍ في إهدارٍ المال ، يوضح مدى ما يعانيه المجتمع، من غفلة عن المنهج الرباني، الذي أمر بالتوسط وعدم الإسراف. كما في قوله سبحانه: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا
وَلَا تُسْرِفُواِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ الأعراف: 31.
أيها الصائمون، أيها الجزائريون : لا تغتروا بما ترونه من وفرة الأطعمة في أسواقكم وبيوتكم، ولا تغتروا بما معكم من أموال وخيرات، واعلموا أن الله تعالى يبدل من حال إلى حال. و الله قادر على عقوبتكم إن لم تشكروه، وتقدروا للنعم التي بين أيدكم حق قدرها، ألم تسمعوا قول الحق جل وعلا ﴿
وَضَرَبَ للَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ النحل: 112.
أيها الصائمون الجزائريون إن الله أغناكم بعد فقرٍ، وأطْعَمَكم بعد جوعٍ، وهداكُم بعد ضلالةٍ، وفتحَ لكم من أبوابِ الخيرِ، وسُبُلِ الرِّزقِ، مالم يكن لكم على بالٍ، ومكنكم من أرضكم وإعادة سيادتكم التي كانت في يد الاستعمار فاشكُروا اللهَ تعالى على ذلك حقَّ شكرِه ولكن ..
ما هكذا تشكر النعم، وتدفع النقم ، أما حدثكم الآباء والأجداد، عما كانوا فيه في عهد الاستعمار من ضيق العيش وقلة ذات اليد، أما سمعتم بقصصهم، وما مسهم من الجوع والقحط، أما تأملتم في حال من كفر النعمة وأهانها، على مرالدهور والأزمان، من دول وشعوب وأفراد، وما نزل بهم من العذاب والنكال، جزاء إسرافهم وتبذيرهم وعدم شكرهم، كم هي الأسر التي مع التبذيروالإسراف، افتقرت بعد الغنى.
كم هي الدول على مر التاريخ ممن أسرفت وبذرت، فابتلاها الله بالحروب والفتن،. فتمنَّوا حينها ما كانوا يُلقون بالأمس في النفايات من طعام ونعم ، واعلموا أنه يحرم إلقاء شيء من الطعام والخبز ونحوه مع القاذورات والمهملات، لأن الطعام نعمة من الله تعالى، وفي إلقائه إساءة لهذه النعمة وكفراً بها، وقد يُدخل الله العبد النار، في تمرة أو خبزة ألقاها ولم
يأبه بها، أو قد تُسلب ما بين يديه من النعم، بسبب التبذير والإسراف، أيها الصائمون يجب أن ننبه أبناءنا إلى هذه الآفة الخطيرة التي جاء الصيام لمحاربتها وهي آفة التبذير في الوقت والمال وننبه أن شهر رمضان ليس شهر للوليمة نصرف فيه ما لا نصرفه في السنة كلها..
شهر الصيام انزلق فيه عامَّة الناس إلى مَساوئ التقليد الأعمى للأُمَم المادية المتْرَفة واتَّسمت حياة الكثيرين بالتكَلُّف والإسراف في ولائمهم وأعيادهم وحياتهم حتى أصبح شهر رمضان وليمة كبرى باهظةَ الثَّمَن ورمضان في كلِّ عام موسمًا للسَّرف والتَّرَف بدلاً من أن يكون عبادة وتهجُّدًا.الإسراف والتبذير في شهر رمضان عادة مذمومة لا يختلف عليها
اثنان ، تتنافى مع مبادئ الشريعة الإسلامية التي طالما حذرت من الإسراف، إلا أن كثيرون ينتهجون هذه العادة في شهر رمضان فتجدهم يبذرون ويسرفون على المأكل والمشرب إسرافاً كبيراً إن من فضلِ اللهِ تعالى علينا أن شرَعَ لنا ديناً قيماً، وجعلنا بينَ الأُممِ أمةً وسطاً، وسطاً في
الأحكام والشرائع، ووسطاً في الآداب والفضائل، فالحمدُ للهِ على ذلك كثيراً كثيراً، وشكرا ًله بكرةً وأصيلاً.
أيها الصائمون إنَّ من معالمِ تلك الوسطيةِ المباركةِ ما ذكره اللهُ
تعالى في كتابِه، عند ذكرِ صفاتِ أحبابِه، والخُلَّصِ من عبادِه، قال تبارك وتعالى:﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ
يقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً) ؛ أي: كانوا في نفقاتِهم
الواجبةِ والمستحبةِ على العدلِ والوسَطِ، فعِبادُ الرحمنِ هُمُ الحكماءُ العدولُ في نفقاتِهم، لا يتجاوزون ماحدَّه
اللهُ وشرعَه، ولا يقصرون عما أمَرَ به وفرضَه أيها الصائمون . لماذا غابة هذه الخصلةِ عن جوانبِ عديدةٍ من حياةِ
الناسِ، فكمْ همُ الذين تورَّطوا في الإسرافِ والتبذيرِ في جميع الشؤونِ والأمورِ, إسرافٌ في المآكلِ والمشاربِ, إسرافٌ في الملابسِ والمراكبِ, إسرافٌ في الشهواتِ والملذَّاتِ وتمسكوا بقول الله عز وجل ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً)،فترى من الناسِ من يجتمعُ على مائدة رمضان من ألوانِ الطعامِ، وصُنوفِ
الشرابِ ما يكفي الجماعةَ من النَّاسِ، ومع ذلك لا يأكلُ إلا القليلَ من هذا وذاك، ثم يلقي باقِيَه في الفضلاتِ والنفاياتِ!
أنسِيَ هؤلاء المسرفون أم تناسَوْا أنَّ من الناسِ أُمماً يموتون جوعاً،لا يجدون ما يسدُّون به جوعِهم، ولظى عَطَشِهم؟! أم نسِيَ هؤلاء قول الله تعالى: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) ، هذه دعوة وتبصرة وذكرى للصائمين اللهم بصرنا بعيوبنا آمين
بقلم الفقير لربه الأستاذ/ قسول جلول
باحث وإمام مسجد القدس حيدرة