بقلم: محمد دحو
على ناصية الطريق،يبدأ مشهد بائس،تراه بين الممرات وداخل الأسواق،في المطاعم وعلى طاولات المقاهي،حركات مقززة منفرة،ينتابني غثيان شديد،أشعر برغبة في القيء، شرارة حقد تومض بداخلي،أنوف كثيرة متنوعة،آدمية طويلة،مرتفعة ومعقوفة،لحمية وبصلية،*.
أكره ذلك المشهد،أمقته شديد المقت،أهرب منه حتى قبل أن تقع عيني عليه،طامة كبرى،مهنة قذرة،نقر الأنوف لا يهدأ، تعلو رؤوس الأصابع وتنزل،مرتفعة هابطة،يزحف الثور بداخلي ملوحا بقرنيه،يشتد الإعصار أكثر،تعلو الشتائم المقذعة،يخبو لسانها خلفي،أتوارى عند باب العمارة،ألجها مختفيا عن الأنظار،مشهد سوريالي لا ينتهي.
لم يتوقع آشيك أن أنفجر في وجهه،فعلتها هذه المرة بعنف شديد،طلبت منه أن يرمي ما بيديه ويغادر،لا أريد هذا النوع من العمال،ولا أرغب في خدمتهم،كررتها بغضب ولهجة صارمة،تمطى أمامي كقط شيرازي*،حك منخريه كقرد في حديقة،هب منصرفا،علا قميصه في الهواء.
أرخيت ستائر الصالون المطل على الطريق،نزل الظلام بهدوء وسكينة،أحكمت إغلاق الباب،كان شلال الماء لايزال يتدفق في أرجاء البيت،أخشى أن أواجه طوفانا ليليا،لم أصلح بعد حنفية الحمام،لابد لي من سباك آخر.
مكوجي الحي لا يصبر كدأبه عن معركة المنخرين،أنفه المعقوف كحدبة جمل،سعاله المتقطع،صوته المبحوح وسط الحي، تثاؤبه في الطريق،بلا خجل أو حياء،راقبته ذات مرة بتقزز،رفعت سلة الملابس في السماء،كدت أضرب بها وجهه وأنفه،حبست أنفاسي،الغضب جمرة من جهنم، وضعت أعصابي في ثلاجة،غادرت مسرعا،كانت السلة جاهزة،لا أدري من تركها أمام بيتي وانصرف.
اهتز رأس أشرف في الهواء،ابتلعت ريقي ناظرا إلى حركة يديه،طفق يرتب حقائبي بهدوء،كأن شيئا لم يكن،فتح زجاج السيارة ببطء،تناثرت خطوط وبقع ريقه في الهواء،تلاشت بين عجلات وضجيج السيارات.
في ارتباك وتردد،كان أشرف يداعب مقود الليموزين بيد،ويرسل الأخرى في الهواء،لم أتبين من اللقطة إلا نصفها، اختفى النصف الآخر في المرآة،نهرته بقوة،حتى أنت يا أشرف،توقف توقف.
طارت بنا الطائرة،علت بعيدا في السماء،تركنا مطار حمد الدولي وراءنا،عبرنا سموات بعيدة،رأيت سحبا بيضاء داكنة،جغرافيا من جبال وأنهار،مطبات هوائية مريعة،بين حين وآخر،كانت الطائرة تهتز،كانت الأنوف تتلاحق،تخيلتها تطير معي،هاهي تذهب في كل اتجاه،كنت أنظر إليها بقرف،هنالك وراء السحب،بعيدا عن الأرض.
الدوحة جانفي 2017
* من صفات وأنواع الأنوف.
* القط الشيرازي أو القط الفارسي