أصبحت اليوم ،أغلب العائلات وأغلب الأفراد والجماعات بحاجة إلى التعاون والتراحم فيمابينها لم آلت إليه الأوضاع بسبب الوباء والأزمات والأثار المترتبةعنها ، وبحاجة ماسة إلى جبر الخاطر وبلسمة الجروح .

..نعود إلى الله ونفر إليه لنجد العلاج ونجد الشفاء ونحرك جانبا آخرلطالما أبتعدنا عنه وهو تقوية الإيمان والمناعة الإيمانية بأن الله هوالشافي هو الكافي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء …

فإنّ حسن الخلُق صفة من صفات المؤمنين, به يتم التآلف بين المسلمين,وبهجره يحصل التباغض, ومن الأخلاق الحسنة التي جاءت بها الشريعةالإسلامية جبر النفوس المنكسرة, ولا شك أنّ جبر خواطر المنكسرين من أعظم أسباب المحبة بين المسلمين, وهو مقصد إسلامي رفيع لا يتخلق به إلاّ أصحاب النفوس النبيلة, فضلاً عن كونه عبادة جليلة, بل إنّ بعض العلماء ذكروه في

أبواب العقيدة, كما قال إسماعيل بن محمد الأصبهاني: “ومن مذهب أهل السنّة

… مواساة الضعفاء, والنصيحة في الله، والشفقة على خلْق الله”.([i])

وقد احتل جبر الخواطر في القرآن الكريم مكانة عالية؛ وذلك لأن القرآن الكريم يتعامل مع الإنسان كمجموعة من المشاعر, قبل أن يتعامل معه كجسد مخلوق من طين, ويسعى كذلك إلى تلبية حاجاته الشعورية قبل سعيه إلى تلبية حاجاته الجسدية.

وفي هذه الظروف الخاصة نستجلب من أسماء الله وصفاته ما يساعدنا على تجاوز هذه الأزمات … إن التعرف على أسماء الله الحسنى وصفاته العلا يدعو إلى عبادته، ومحبته وخشيته، وتعظيمه وإجلاله، وبحسب معرفة العبدبأسماء الله وصفاته يكون إيمانه واجتهاده في عبادته، ولقد أثنى سبحانه وتعالى على ذاته العلية، فوصَف نفسَه بصفات الكمال والجلال، فقال في محكم

تنزيله: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُالْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا

يُشْرِكُونَ)[الْحَشْرِ:

ومِنْ لُطفِ الجبارِ وكرمه يَنزِل -تبارك وتعالى- كلَّ ليلة إلى السماءالدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر؛ فيقول: “مَنْ يدعوني فأستجيب له؟ ومن يسألني فأعطيه؟ ومن يستغفرني فأغفر له؟”،

فيجبر كسيرا، ويعافي مبتلى، ويشفي مريضا، ويغيث ملهوفا، ويُجيب داعيا،ويُعطي سائلا، ويُفرِّج كربًا، ويزيل حزنا، ويكشف همًّا وغمًّا. وفي القرآن العظيم يُخبرنا الجبارُ -سبحانه- بجبر قلوب أنبيائه ورسله، فهذا

نبي الله موسى -عليه السلام- لَمَّا رغبت نفسُه إلى رؤية الله -تعالى-وطلب ذلك منه، أخبره سبحانه أن ذلك غير حاصل له في الدنيا، ثم سلَّاه،وجبر خاطره بما آتاه، فقال: (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ)[الْأَعْرَافِ: 144]،

ولَمَّا أُخرِجَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- من موطنه مكة، وهي أحب البقاع إليه، وقَف قبل خروجه على موضع يقال له الحزورة، وهو تل مرتفع يطل على الكعبة، فقال: “ما أطيبَكِ من بلد، وأحبَّكِ إليَّ، ولولا أن قومي

أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيرَكِ، واللهِ إنكِ لَخيرُ أرضِ الله، وأحبُّ أرضِ اللهِ إلى الله، ولولا أني أُخرجتُ منكِ ما خرجتُ” (رواه الترمذي بسند صحيح)،

فجبر الله -تعالى- خاطره، وأوحى إليه وهو في طريقه إلى المدينة: (إِنَّالَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى

مَعَادٍ)[الْقَصَصِ: 85]، أي: إن الذي أنزل عليكَ القرآن وأمركَ بتبليغه لَرَادُّكَ إلى الموضع الذي خرجت منه، عزيزا فاتحا منتصرا، ولقد صدَق اللهُ وعدَه، ونصَر عبدَه، ووعده بأن يعطيه حتى يرضيه،(وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)[الضُّحَى: 5]. معاشرَ المؤمنينَ: إن جبر الخواطر سجية تدل على سمو نفس صاحبها، ورجاحة عقله، وسلامة صدره؛فلذلك كان الحظ الأوفر منها لسيد المرسلين وإمام المتقين، الذي بعثه الله رحمة للعالمين، فقد كان -صلوات ربي وسلامه عليه- أصلح الناس قلبًا،وأصدقهم لسانًا، وَسِعَ خُلُقُه الناسَ، سهولةً ورفقًا، وفاضت يداه بالعطايا كرما وجودا، فكان بالمؤمنين رؤوفا رحيما، يجبر خواطرهم،

ويتفقَّد أحوالهم، ويسأل عن غائبهم، ويعود مريضهم، وكان لا يعيب طعاماصنعه آدميٌّ؛ لئلا ينكسر خاطره، ويُنسب إلى التقصير فيه، وإذا بلغه عن الرجل الشيءُ المكروهُ لم يصرح باسمه، ولكن يقول: “ما بال أقوما يقولون كذا وكذا“؛ حفاظًا على المشاعر وكسبا للود. وكان صلى الله عليه وسلم من كريم أخلاقه إذا ردَّ هديةً اعتذر لصاحبها تطييبا لخاطره،وخلاصة القول أننا مطالبون بالتعاون والتراحم في هذه الأوقات العصيبةلقول الله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان …

بقلم الأستاذ /قسول جلول

باحث وإمام مسجد القدس حيدرة

 

 

________________________________

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *