رمضان هذه السنة في زمن جائحة كورونا تتضاعف فيه الحسنات،فالصائمون هم المجاهدون في ساحة المعركة ومن مات فهو من الشهداء مع عدو
متجدد يسمى جائحة كورونا.
نودع الشهرَ الفضيل ، فيه أدينا صلاة التراويح في بيوتنا ، وصلاة العيد إن كذلك،جعلنها قبلة ومساجد ، فيه ظهرت صفات إيمانية:التعاون على البر والتقوى ، التناصح، والبذل والعطاء والسخاء والدعاء والذكر ، والصدقة تحول البيوت إلى مساجد أو انتقلت المساجد إلى البيوت،بالأمس كنا نستقبل شهر القرآن ،ودموعنا على خدودنا فرحا بقدومه،فرمضان مناسبة روحية ومزرعة للحسنات في المساجد أو في البيوت فلا ينقص من أجره شيء بل يزيدنا الله الحسنات والمغفرة والدرجات ،لأننا ندافع عن أنفسنا وعن ديننا، وفي هذه الأيام نودع شهر الرحمة والغفران ودموعنا على خدودنا ،حزنا على رحيله !
كعادته يأتي سريعًا ويمضي سريعًا نُودِع شهر القرآن الذي كان فيه شعورنا ومشاعرنا معلقة بالقرآن وبالتراويح ،عشنا بقلوبنا بأرواحنا رجعنا بعقولنا وأفكارنا إلى عابر الأزمان وعشنا لحظات مع الزمن الجميل مع القرآن قصة إبراهيم عليه السلام ،وإسماعيل ،ويوسف وموسى وهارون ،تصفحنا سجل التاريخ ومسار أمم وقصص وأمثال وما
فيه من الدروس والعبر ووقفنا على قمة التضحية التي قدمها إبراهيم عليه السلام .
في هذه الأيام المباركات من الشهر الفضيل وفي زمن جائحة كورونا قام
المؤمنون بأعمال وقربات وصدقات وأعمال بر وإحسان يعجز اللسان عن وصفها
وعدها ، والأيامُ خزائنُ حافظةٌ لأعمال ، تُدعَون بها يوم القيامة؛ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا . آل عمران30 يُنادي ربكم: يا عبادي، إنَّما هي أعمالُكم أُحصيها لكم، ثم أوفِّيكم إيَّاها، فمَن وجد خيرًا فليحمدِ الله، ومَن وجد غيرَ ذلك، فلا يلومنَّ إلاَّ نفسَه. رواه مسلم.
شهر رمضان سوقٌ قام ثم انفضَّ، في البيوت في توزيع قفف للمحتاجين،والمتضررين من الحجر الصحي رَبِح فيه مَن ربح،وخَسِر فيه مَن خسر، فمَن كان محسنًا، فليحمدِ لله، وليسألِ الله القَبولَ، فإنَّ الله جلَّ وعلا لا يُضِيع أجْرَ مَن أحسن عملاً، لقد كان شهر رمضان ميدانًا لتنافُسِ الصالحين بأعمالهم، ومجالاً لتسابُقِ المحسنين بإحسانهم، وعاملاً لتزكية
النفوس وتهذيبها وتربيتها:ترى الصائمين مجتهدًين في الطاعات، فلا تقع عيناك عليهم إلاَّ ساجدًا أوقائمًا، أو تاليًا للقرآن أو باكيًا، حتى ليكاد يُذكِّرك ببعض عُبَّاد السلف،حول بيته إلى معتكف للعبادة والذكر .
كيف يعرف الإنسان أن صومه مقبول وذنبه مغفور إن شاء الله؟
فكل طاعة وعبادة سواءً كانت : صيام – صلاة – صدقة،أي عمل صالح
كلنا يردد هتاف علي رضي الله عنه يقول: ليت شعري، من المقبول فنهنيه،
ومن المحروم فنعزيه.
وبعد كل طاعة نردد أيضاً قول ابن مسعود رضي الله عنه : أيها المقبول هنيئًا لك، أيها المردود جبر الله مصيبتك،ولقد قال عليّ رضي الله عنه:لا تهتمّوا لقِلّة العمل، واهتمّوا للقَبول، ألم تسمعوا الله عز وجل يقول : إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ، المائدة:27.
إن التوفيق للعمل الصالح نعمة كبرى، ولكنها لا تتم إلا بنعمة أخرى أعظم منها، وهي نعمة القبول. وإذا علم العبد أن كثيراً من الأعمال ترد على صاحبها لأسباب كثيرة كان أهم ما يهمه معرفة أسباب القبول ، فإذا وجدها في نفسه فليحمد الله ،وليعمل على الثبات على الاستمرار عليها .
فما هي أسباب القبول أو ما هي علامات المقبولين :
ـ عدم الرجوع إلى الذنب بعد الطاعة:فإن الرجوع إلى الذنب علامة مقت
وخسران من استغفر بلسانه وقلبه على المعصية معقود ، وعزمه أن يرجع إلى
المعصية بعد الشهر ويعود ، فصومه عليه مردود ، وباب القبول في وجهه مسدود.
– الوجل من عدم قبول العمل: فالله غني عن طاعاتنا وعباداتنا، قال عز وجل
وقال تعالى :إن تَكْفُرُوا فَإن اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ.الزمر: 7
3- التوفيق إلى أعمال صالحة بعدها:
إن علامة قبول الطاعة أن يوفق العبد لطاعة بعدها، وإن من علامات قبول
الحسنة: فعل الحسنة بعدها، فإن الحسنة تقول: أختي أختي. وهذا من رحمة
الله تبارك وتعالى وفضله؛. فالعمل الصالح شجرة طيبة، تحتاج إلى سقاية
ورعاية، حتى تنمو وتثبت، وتؤتي ثمارها،وإن أهم قضية نحتاجها أن نتعاهد
أعمالنا الصالحة التي كنا نعملها،فنحافظ عليها، ونزيد عليها شيئاً فشيئاً. وهذه هي الاستقامة
– المداومة على الأعمال الصالحة: كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم المداومة على الأعمال الصالحة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً أثبته رواه مسلم. و أحب الأعمال إلى الله وإلى رسوله أدومها وإن قلَّت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل. متفق عليه.
فإذا كان 40 مليون جزائري يصومون كل سنة ويتخرجون من مدرسة الصيام ، من
مدرسة النبوة ، من مصحة رب العالمين لا تنتفع أمتهم بالدعاء ،وبما تعلموه من أخلاق ، وما تربى عليه الصائمون القائمون فهي مصيبة.
ونحن نودع موسم الخيرات والبركات ، الواجب علينا اليقظة وتحمل المسؤولية،الأمانة والتحلِّي بالصبر، وضبط النفس، والإخلاص في الدُّعاء،والاستعانة
بالله أمامَ جائحة كورونا وغيرها من البلاءات ، حتى تنقشعَ الغُمَّة،وينكشف الكرب؛ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ .فاطر: 17.
بقلم الأستاذ/قسول جلول
إمام مسجد القدس حيدرة