فيروس كورونا.. التهويل والتخويف وعقلية الهزيمةلدرجة أن بعض الناس يقولون نحن نعيش في آخر أيام الزمان حيث إن علامات قيام الساعة،باتت واضحة جلية وأكثرها وضوحا إخلاء صحن الطواف في مكة المكرمة ، وإخلاء صحن الطواف نزل كالصاعقة على عموم المسلمين فلم يعهد أحد رؤية صحن الطواف
يتباهى بأرضيته البيضاء الرخامية خاليا بالكامل من الطائفين في العصر الحديث وكل هذا بسبب فيروس كورونا.
من وجهة نظر طب الصحة العامة إيقاف التجمعات البشرية هام للحد من انتشارالامراض الوبائية والمعدية وخاصة لمعرفتنا بزيارة مئات الآلاف يوميا للحرمين الشريفين وللمساجد عموما،ولكن يبقى السؤال الأهم هل أن فيروس كورونا يستحق بالفعل هذا الخوفوالذعر والتهويل ؟
النقل المكثف لأخبار انتشار الفيروس بشكل غير معهود مسبقا هذا التهويل الإعلامي أعطى زخما كبيرا لوباء كورونا وصور لنا نهاية العالم لا أدري هل هو بقصد أخذ الحيطة والحذر …أم لزيادة الخوف والقلق والتيئيس
في علمي البسيط أن أولي الأمر من العلماء والقادة لا يرعبون رعاياهم ولا يفقدون أمل الشفاء لمواطنيهم …وإنما يزرعون الطمأنينة والسكينة فيمجتمعهم
ومن هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ إدخال السرور على المريض وطمأنته ،والتحدث إليه بما ينفعه، والدعاء له بالشفاء، وتبشيره بالبرء من المرض،وتذكيره بالأجر الذي يلقاه العبد المبتلى، وذلك للتخفيف من معاناته،وتربيته على الصبر واحتساب الأجر، وذلك لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين دخل على أعرابي يزوره لمرضه : لا بأس عليك، طهور إن شاء الله )البخاري .
كثيراً ما يتملكنا شعور بالخوف من أشياء أو مواقف معينة ، فلا يمكن ازالة هذا الخوف الا بالخوف من الله سبحانه و الاتكال عليهاً.
أن العبد تمر به أحياناً ساعاتٌ حرجة, ولحظاتٌ قلقٍ واضطراب, وقد
يصاحبها شيءٌ من الخوف أو الهم والحزن, فيحتاج إلى أن تُفَتَحَ له أبوابُالسكينةِ والطمأنينة, وتغشاه الرحمةُ, كي يذوق طعم الراحة والسعادة؛ لأن النفس تحتاج دائماً إلى ما يُلَطِّفُ أجواءها, لِتَصفو وترتقي في درجاتالفلاح وتعلو.
والعقيدة الصحيحة التي بُعِثَ بها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم،والعملُ الصالح الذي هو مقتضى هذه العقيدة, هما أعظم أسباب السعادة،وطمأنينة النفس، وراحة البال، وهما الدافع القوي إلى التغلب على جميعالمخاوف والقلق والهموم.
والإنسان بدون ذلك، يكون فريسة للأوهام والشكوك والمخاوف التي ربما تتراكم عليه، فتحجب عنه الرؤية الصحيحة لدروب الحياة السعيدة, حتى تضيق
عليه حياته ثم يحاول التخلص من هذا الضيقولكن فات الأوانويضاف إلى ذلك بذل الأسباب الجالبة إلى الطمأنينة والسكينة وراحة البال،خصوصا عند انتشار المخاوف، واشتداد الأمور، والتي منها:
ـ كثرةُ الدعاء، وملازمةُ أورادِ الصباحِ والمساءِ،فإن لذلك تأثيراًعجيباً لا يشعر به إلا من حافظ على ذلك، ومن قرأ ما ورد في فضل هذه الأوراد تَبَيَّنَ له ذلك.
ثم إن ملازمة الذكر والاستغفار مطلقاً سبب عظيم لطمأنينة النفس، ونزول السكينة، وتقوية القلب(أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)الرعد: 28.
ومن ذلك أيضاً: التوبةُ من المعاصي، والتخلصُ من المظالم، وحقوق الناس،فإن أعظمَ ما يُقْلِقُ المؤمنَ: ذنوبُه والحقوقُ التي عليه،خصوصاعندما يتذكر الموتَ ولقاءَ الله.
ـ ومن أسباب الطمأنينة والسكينة: الإيمان بالقضاء والقدر, وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك.
ويدخل في ذلك ما يتعلق بالموتِ ومفارقةِ الحياة, وذلك بأن توقن بأنك لن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلاً, في اليوم والساعة والمكان والسبب الذيقَدَّرَه، ليس لأحد كائنا من كان أن يقدم في ذلك شيئاً أو يؤخرَه.
وذكر أهل العلم: أن لقراءة آيات السكينة أثراً في طمأنينة القلب وسكونه،خصوصاً عند الخوف والهلعِ والتوَتُّر, وانزعاج النفس، قال ابن القيم رحمه الله: كان شيخ الإسلام إذا اشتدت عليه الأمور قرأ آيات السكينة
منها قوله تعالى :ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ
وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ التوبة: 26.وقوله تعالى: إِذْ يَقُولُ
لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا التوبة: 40
وقوله تعالى: فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى
الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ
بِهَا وَأَهْلَهَا الفتح: 26
ونتجنب الانغماس في القلق المرضي والمفرط، وكل الانعكاسات النفسية التي قد تكون نتيجة لهذا الوباء،
في الأخير تجدر الإشارة أن القلق الموضوعي الواقعي والذي يستند على ركيزة الحاضربعناصره المؤمنة، يؤدي إلى تحقيق وتحصيل الدافعية في الإنجاز وضخ
طاقة إيجابية لمواجهة جائحة كورونا وتفعيل البعد الديني، الذي يمكنالإنسان من الصمود ومواجهة الأزمة بيقينٍ أن مع العسر يسراً ، وتحويلالموقف السلبـي إلى إيجـابي وذلك بقوة الإيمان والعزم والتوكل على الله.
بقلم الأستاذ/قسول جلول
باحث وإمام مسجد القدس حيدرة