نظم مؤخرا نادي الرواية،لقاء مع الروائي أمين الزاوي،حول روايته الأخيرة الخلان الصادرة عن منشورات ضفاف والاختلاف،وذلك بمقر الجمعية الثقافية الجاحظية بالجزائر العاصمة.
كوثر- خليدة
وفي كلمته الافتتاحية تحدث رئيس نادي الرواية الروائي،بشير مفتي،عن سبب اختيارهم للروائي أمين الزاوي في العدد الثاني لنادي الرواية والذي لم يكن بريئا حسب قوله،كونهم يعمدون لاستدراج أسماء كبيرة ومميزة لها تجربتها الطويلة في الكتابة ومكانتها التي يجب أن ننصت جيدا لها ونقدر جانبها الإبداعي بعيدا عن اختلاف مواقفنا من نصوصها ومواقف صاحبها،وفي ذات الصدد،أشار رئيس نادي الرواية أن الأهم في النادي هو الاهتمام بالنص الروائي أولا وقبل كل شيء.
وقد قدم الأستاذ الجامعي،علال سنقوقة،وهو قاص وناقد ودكتور بجامعة الجزائر2 قراءة لرواية الخلان موسومة برواية الخلان لأمين الزاوي بين الفنّ وسؤال التّاريخ،وقد تحدث في البداية عن الخطاب الروائي عند أمين الزاوي والذي يشكل نسقا متجانسا،في رؤيته للقضايا السويو – ثقافية المرتبطة بقضايا المجتمع الجزائري والعربي.
كما يتمتع بالقدرة على خلق الحكاية وحبك الواقعي بالمتخيل والتاريخي بالأسطوري وهو ما يبدو جليا في رواية الخلان،التي تستثمر في اللغة والحكاية الشعبية والموروث العربي العجيب،إضافة إلى الواقع بعبثيته وحميميته،وشعريات الفضاء.
ثم تطرق الأستاذ علال سنقوقة إلى الوصف الشكلي للرواية،متحدثا فيه عن أهم وأبرز الشخصيات.وبعدها ذكر لنا أبرز أحداث الرواية قائلا،
تختزل رواية الخلان حكاية ثلاثة أصدقاء هم أوغسطين قيران المسيحي و أفولاي رشدي المسلم و ليفي النقاوة زمرمان اليهودي جمعتهم المصادفة وهم من أصول مختلفة ولكنّهم ينتمون إلى الأرض الجزائرية،تعارفوا في الثكنة العسكرية بوهران،ثم انضموا إلى جبهة التحرير الوطني وتوحدوا للتخلص من ظلم فرنسا.
ثم قدم لنا دراسة للغلاف الذي يجسد رمزية المكان لأنّه يحمل صورة زقاق قديم،قد يكون مرتبطا بمدينة وهران التي تجري بها أحداث الرواية.
ثم تطرق إلى شكل وتقنيات السرد التي نزع فيها المؤلف إلى فتح حوار بين الشخصيات بما يجعلها تعبر عن منظورات ومنطلقات ايديولوجية مختلفة وهكذا نجد أن فعل الحكي تقوم به الشخصيات الأساسية وغيرها،كما أقام روايته على تعدد الأصوات،وإخفاء هيمنة الراوي الواحد،ورغم هذا فالرواية تحتكم إلى إيديولوجيا المؤلف التي تتجلّى في طبيعة الشخصيات نفسها، التي تختلف ظاهريا لكنّها متفقة على مبادئ جوهرية هي حب الحرية ومقت الاحتلال والهيمنة.
لكن المفارقة التي تنتهي إليها الرواية هي غياب التسامح وعدم قبول الآخر المختلف وهي نزعة مرتبطة بالثقافة الإيديولوجية الدينية الإسلامية الراديكالية والوطنية المغلقة ما يفسر اغتيال المجاهد ليفي اليهودي بعد انضمامه للثورة ثم اغتيال أوغسطين المسيحي بعد الاستقلال في التسعسينيات من قبل أفولاي الصديق القديم الذي يتغير عما كان عليه في سنوات الحرب.
فعنوان الرواية يشكل مفارقة تصدم المتلقي وتجعله أفقه يخيب، فالشحنة الدلالية التي تحملها الكلمة سرعان ما تتحول إلى ضدها أي إلى أعداء متقاتلين لا أصدقاء متحابين متفقين
أما الفضاء الذي اشتغلت عليه الرواية فهو مدينتي وهران وتلمسان وبعض القرى الحدود المغربية والتونسية ولكنها ركّزت على فضاء مدينة وهران.
يلاحظ من ناحية أخرى جنوح الكاتب إلى توظيف لغات متعددة في النص كاشفة عن مستويات اجتماعية مختلفة كلغة المثقفين اليسار والعسكريين ونساء الماخور والمتعصبين الإسلاميين.
كما اعتمد الروائي على تقنية السينما من خلال أسلوب تقطيع وعرض الحكايات،حيث تشبه النصوص المجزأة المشاهد الجزئية من الفيلم ، يتلاقى بعضها بعضا مكونة الصورة الكبرى للقصة،حيث تبرز الرواية في شكل صور متعددة تجعل المتلقي يكتشف شيئا فشيئا معاني النص،موظفا تقنية الفلاش باك، فتميل الأصوات الساردة إلى الارتداد إلى ماضيها.
وفي نهاية مداخلته تطرق الأستاذ علال سنقوقة إلى القضايا التي عمل عليها أمين الزاوي في هذه الرواية والتي تتمثل في مراجعة فهم الهوية،من خلال مدينة وهران التي شهدت عدة غزوات ونزوح من مختلف العرقيات والأديان، إلا أنّها عاشت متآلفة،ولكنّ الخطاب الكولونيالي العنصري الفرنسي هو الذي خلق الانشقاق ووسّع الهوة بين قومياتها.
وفي استكمال لما قاله الأستاذ علال سنقوقة أشار الروائي أمين الزاوي إلى أن رواية الخلان تعد عملا روائيا معقدا جدا، ولكنه يسيل حكاية ويسيل شخصيات تتقاطع مصايرها وحيواتها،حيث تضم الرواية أكثر من ستين شخصية، وهي شخصيات معقدة تضم مختلف عادات وطبائع ودياناتهم الناس المختلفة.
وتعود أحداث الرواية إلى تاريخ الجزائر ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى عشية الثورة الجزائرية وما بعد حرب التحرير خاصة في القطاع الوهراني، كما ذكر أنه قرأ عدة كتب في التاريخ وعلم الاجتماع والجغرافيا لاستكمال مشهد الجزائر، وقد توصل إلى أن المجتمع الجزائري ضم خليطا متنوعا من الديانات والقوميات واللغات، التي حاول أن يقدم مجموعة من النماذج عنها.
وقد ذكر لنا الروائي أمين الزاوي مثالا عن شخصية ايتيان دوفال حيث يقول:هي شخصية مسيحية دينية، كانت الثورة تسميه محمد دوفال نتيجة لتعاطفه مع الثورة الجزائرية.
ثم ذكر لنا شخصية أخرى مسيحية تتمثل في “غابريال لومبار” الذي أدار بلدية وهران لكنه كان مسيحيا متطرفا، وهو ما يعكس الرؤية المختلفة ما بين المسيحيين داخل المجتمع الجزائري، فقد أصبح هؤلاء المسيحيون جزء من الثورة وجزء من القوى التنويرية والقوى المناهضة للاستغلال والظلم في الجزائر المستعمرة.
كما ذكر في الوقت نفسه شخصية يهودية تتمثل في ليفي نقاوا زيبرمان،وقد كان الجزائريون يعتبرون اليهود كجزء من المجتمع الجزائري، ويطلقون عليهم كلمة الأهالي.
وهكذا صور لنا الروائي أمين الزاوي المجتمع الوهراني كيف كان يعيش، بثلاث ديانات مختلفة، ممثلة في اجتماع ثلاث أشخاص في ثكنة عسكرية واحدة، لكن كان لكل واحد منهم حياته وذاكرته ومرجعياته الثقافية الخاصة، رغم هذا كانوا يعيشون في الثكنة كإخوة وخلان، فالرواية حسب أمين الزاوي تدافع على فكرة أن الوطن قبل كل شيء.. قبل الدين والمواطنة قبل العبادة، لأن الوطن هو الذي يجمع الديانات كلها ويجمع المعتقات واللامعتقدات كلها، وهو فضاء الجميع الذي يحمينا جميعا على اختلاف الألوان العقائدية واللغوية وغيرها.
وفي ذات السياق أشار أمين الزاوي إلى أنه كتب هذه الرواية وفي ذهنه “ايفتون” اليهودي الجزائري الذي تم إعدامه في نفس السجن وبنفس المقصلة التي أعدم بها الشهيد أحمد زبانة نتيجة القضية المشتركة بينهما وهي قضية الوطن والحرية والكرامة والعدالة والدفاع عن الجزائر.
ليشير الروائي أمين الزاوي في نهاية كلمته إلى أنه كتب رواية الخلان كثورة ضد التاريخ الرسمي، مؤكدا أن التاريخ الجزائري أعمق مما يدرسه الأطفال في المدارس، لذا كتبها بغرض تقديم نص للجيل الذي لا يعرف تاريخ الجزائر، وعن شجاعته وجرأته في الكتابة يقول الزاوي:كتبت هذه الرواية بنوع من الشجاعة المؤسسة على قراءة الكثير من الكتب والدراسات عن الجزائر.