بقلم : توهامي ماجوري
هي مرحلة استثنائية يفرضها واقع غير عادي، لأسباب موضوعية تقتضيها مرحلة سياسية معينة، ناتجة عن أزمة في المجتمع ومؤسساته…، وهي الضرورة الطبيعية التي ينيغي الالتزام بها في مثل الحال التي تمر بها بلادنا اليوم، وذلك منذ استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والشروع في تطبيق المادة 102 التي تنص على أن يتولى رئاسة الدولة رئيس مجلس الأمة…، ويحضر لانتخابات رئاسية في ظرف 90 يوما.
إن التمسك بالمادة 102 خاصة بالوضع الطبيعي والعادي، أي عندما يستقيل الرئيس في وضع عادي، تسند رئاسة الدولة إلى رئيس مجلس الأمة…، أما وأن استقالة الرئيس تزامنت بوجود الشعب في الشارع رافضا للنظام برمته ويطالب بالتغيير، فإن الأمر مختلف ومنطق الأشياء يقتضي تجاوز المادة 102؛ بل لقد تجاوزها الزمن بمرور هذه المدة الزمنية وبطلان الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في 4 جويلية 2019.
والمتمسكون بظاهر الدستور يرفضون فكرة الفترة الانتقالية، خوفا من الدخول في الفراغ المؤسساتي أو الفراغ الدستوري، لأن ذلك يوهم بأن الأمور ستفتح على مصراعيها، فيتمكن أعداء الجزائر من إدخال البلاد في دوامة المحاذير التي لا يتمناها مخلص لبلاده، وهي إعادة البلاد إلى مربع الصفر.
لا شك ان المتربصين بالجزائر كثر.. وأعداؤها لهم ألوان مختلفة يخلطون فيها الحق بالباطل، يحاولون اختراق المجتمع بكل الوسائل من أجل تحريفه عن مساره، ومع ذلك فإن اللجوء إلى المرحلة أو الفترة الانتقالية، لا يعني إطلاقا الخروج الكلي عن الدستور؛ لأن مؤسسات الدولة لا يزال بعضها قائم، مثل البرلمان بغرفتيه، والمجلس الدستوري، والجيش الوطني الشعبي، ومجالس الخبراء المتخصصة في المجالات المختلفة، إضافة إلى أعيان البلاد من المجاهدين والعلماء والأكاديميين وأخيرا الجمعيات والنقابات والأحزاب ذات المصداقية…، أيعجز كل هؤلاء عن إيجاد صيغة تحمي البلاد، إن كان هذا هو الواقع، فأقسم بالله اننا عالة على الجزائر.
لقد تكلم عن المرحلة الانتقالية الكثير من السياسيين، منهم من حددها بمدة أقصاها ستة أشهر مثل الأستاذ علي بن فليس، ومنهم من لم يحددها وإنما اشترط فيها قصر المدة مثل الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، ومنهم من ذكرها مطلقة من غير تحديد، وترك تحديدها إلى اهل الاختصاص والمنفذين مثلما فعل نداء العلماء الذي صدر يوم الخميس.
لقد ذكرت كل هذه الأمور ولم تصل السلطة رسميا عن طريق أصحابها؛ لأن القنوات بين السلطة وأصحاب المبادرات مسدودة، بسبب عدم استجابة الطبقة السياسية والشخصيات الوطنية لدعوات رئاسة الدولة، وتشبث السلطة بالأشكال الدستورية.. وما لم تفتح القنوات بين السلطة وغيرها من نخب الجزائر وتنظيماتها السياسية والجمعوية ومنتدياتها لن يكون هناك حل؛ بل إن البلاد معرضة للتعفين –لاقدر الله-
لقد حذر رئيس هيئة أركان الجيش أحمد قايد صالح، من الرجوع إلى العشرية التي لا تزال البلاد تعاني من آثارها المدمرة، وهذه لفتة مهمة ومعبرة عن حرص الجيش عن تجنب الصدام الذي هو نهاية كل انسداد.
ولكن من المفيد الإشارة إلى أن جريمة التسعينيات التي ارتكبت باسم الجيش، لم تكن لتقع لو لم تستند قيادة الجيش يومها على “لجنة إنقاذ الجزائر” وبعض المنظمات الأخرى، التي تمثل الذراع المدني لما وقع…، اما اليوم ومنذ اقتراح الجيش الوطني الشعبي تفعيل المواد 102 و7 و8 من الدستور، وهو ينتظر القوى السياسية المدنية، التي تحمل عنه هم الحل السياسي، ولكن لم يجد آذانا صاغية، ثم دعا الطبقة السياسية إلى القيام بمبادرات، وقال مرحبا بكل مبادرة تساهم في إخراج البلد من أزمتها، ولكن لا حياة لمن تنادي… ثم في الخطاب رئيس هيئة الأركان الأخير –وقد وصل الموس الى العظم- دعا النخب والشخصيات الوطنية الى تحمل مسؤولياتهم، وإلى الحوار المثمر والجاد من أجل القفز بالبلاد إلى المام، وحذر من الفترات الإنتقالية –هكذا بالجمع-، وكأني به أقر مرحلة انتقالية واحدة تفرضها الضرورة.
على كل حال ومهما كانت مواقف الجميع من التعلق بالظاهر الدستوي، أو بالمرحلة الانتقالية التي توجبها طبيعة مرحلة الاستثنائية، فإن البلاد تبحث عن حل عاجل للمشكل… وهو موجود حتما بنصوص الدستوري وغيره من الرزم القانونية… وأسوأ الحالات التي يمكن أن تلجأ إليها الجزائر في مثل هذه الحال هو الإعلان الدستوري وهو وضع قانوني، لكن لا أعتقد أننا في حالجة إليه الآن… ويوجد فيما بين أيدينا من الطروحات ما يمكننا من الإسراع بالحل من غير إصرار على هذا التوجه او ذاك إذا صدقت النوايا والإرادات الصادقة…، إذ المهم الان هو كيفية تيسير الأمور من أجل الوصول إلى انتخاب رئيس بضمانات خارج إطار الهياكل التقليدية التي تسمح للمظام بتجديد نفسه.
ثم إن المرحلة التي ستعقب هذه المرحلة، رغم أنها ستفرز لنا رئيسا جديدا منتخبا، هي نفسها ستكون مرحلة انتقالية؛ لأن التغييرات التي يطالب بها ليس مشروعه السياسي، وإنما سيطالب بتحقيق مطالب الحراك الشعبي، ابتداء من تعديل الدستور وقانون الانتخابات وغيرها من التغييرات في هياكل الدولة ومؤسساتها ومنظوماتها القانونية التي كانت تتلاعب بها عصب النظام والمال الفاسد.