بقلم: عاشور فني
عند وفاة الرئيس الراحل هواري بومدين ( ديسمبر 1978) كنت بالخدمة الوطنية بتامنغست. كنا نتابع الأحداث عبر التلفزيون من بعيد ونحن تحت حالة الاستثناء. كان محمد الصالح يحياوي مسؤول ( جهاز) الحزب كما كان يسمى آنذاك. كان مؤتمر الحزب هو رهان بومدين طيلة السنة الاخيرة من حياته وكانت خطاباته النارية تهدد أعداء الثورة وتعد بالتغيير. تم تحديد تاريخ المؤتمر لكن بومدين لم يعد قادرا على الظهور بسبب المرض. ظهر محمد الصالح يحياوي بشخصيته المتميزة وحل محل بومدين . لغته ووضوحه وصرامته. كثيرون رأوا فيه الخليفة الانسب لبومدين رغم ان شخص وزير الخارجية انذاك عبد العزيز بو تفليقة كان يغري كثيرا من معارضي الاختيار الاشتراكي القائم. كان محمد الصالح يحياوي يفتتح أشغال المؤتمر تلو الاخر: المجاهدين و الشبيبة والعمال والفلاحين والنساء . كانت هذه الفئات تسمى حلفاء الثورة. كانت خطاباته تؤكد الافكار التي رسخها خطاب بومدين. أتخذ موقع البديل المحتمل. احتل الواجهة أثناء المؤتمر. هيئته ولهجته. في بعض الأحيان يلبس برنوسا مثله. كان شخصية رئاسية بامتياز. كان الخطاب السائد: الحفاظ على المكتسبات ورفض أي تنازل للإمبريالية الخارجية والرجعية الداخلية… كان خطاب المرحلة مشددا في كل شيء. كانت اتحادات الشبيبة والعمال منبرا للخطاب المدافع عن الاختيارات الشعبية. أما المجاهدون فكانوا منبرا للدفاع عن الوطنية . واما الفلاحين فكانوا في وضع الموالاة الأرضية بقرارات الرئيس والامتثال لما يطلب منهم.
فجأة تغيرت الامور رأسا على عقب حين ظهر وزير الخارجية في تأبين بومدين برسالة مؤثرة ابكت الكثيرين. وفي انتخابات ظهر شخص آخر لم يكن معروفا شعبيا. الشاذلي بن جديد. تمت الانتخابات بسرعة ومرت الجزائر إلى مرحلة أخرى كانت تسمى مرحلة المراجعة لا التراجع. بعدها بدأت التراجعات وما تزال.
غاب أو تم تغييبه خلال العشرية الأولى من حكم الشاذلي. وفي ندوة الإطارات العليا للأمة سنة 1989 برز يحياوي من جديد بخطاب وطني متشدد . طالب بالتقييم والمحاسبة على كل المستويات. ومما قاله عن علاقته بالرئيس وعلاقة الرئيس بالاطارات: فرق بين من يعمل مع الرجال ومن يعمل بالرجال. بقيت شخصية قوية ناصعة حتى وهو مغيب تماما..
ظلت تلك الصورة لمحمد الصالح يحياوي راسخة في اذهان جيل كامل كان يحلم بالافضل والانقى. مجاهد صادق ومناضل ملتزم ومدافع مبدئي عن اختيارات شعبية. صورة رسختها عفته وكبرياؤه الذي ناى به عن صغائر ألسياسة.
شلال رحمة ونور لروحك ولتدم مثلا للطهارة والوطنية.