بقلم:عياش يحياوي
نعم عمره 84 سنة…غير أني لم أهتف له لأبارك له سنته الجديدة، لم أزره، لم أشرب معه قهوة الصباح ولا قهوة المساء، لم أقبّل رأسه يوما، لم أستشره في أمر، ولم أعِنه على الوقوف أو الجلوس، لم أضع وسادة خلف ظهره، لم أرافقه إلى الطبيب ولم أقلق على صحته يوما، حتى أيام الأعياد لم أبتسم في وجهه.. لم يحدث أن دخلتُ السوق واشتريتُ له قميصا أو حذاءً أو ما شابه ذلك…حتى أني لا أعرف ما هي الفواكه التي يحبها، وهل يفضل اللحم مقليا أم مشويا أم مطبوخا في المرق…المثير أني لم أرفع صوتي لمناداته يوما حتى من باب التجربة…
نعم عمره صار 84 سنة، غير أنه استشهد سنة 1959 حين كان عمري عامين….ولأنه ولد سنة 1934 فهذا يعني أن عمره حين استشهد كان 25 سنة…ولأنه معي منذ أن رأيت أيادي الأطفال في أيادي آبائهم متجهين إلى السوق أو المسجد أو إلى بيوت الأقارب فقد وطّنتُ نفسي على استمرار حياته.
أبي حفظ القرآن الكريم كاملا، ثم اتجه إلى تونس لمواصلة دراسته في جامع الزيتونة، غير أنه تخلى عن دراسته هذه بعد عامين والتحق مع الطلبة سنة 1956 بثورة التحرير.. وسرعان ما أصبح محافظا سياسيا في جيش التحرير، ومن أغلى الوثائق التاريخية عندي، وثيقة مختومة بختم جيش التحرير الوطني “أوراس النمامشة” تصف نضال الوالد والمنطقة الجبلية التي كان متمركزا فيها والضباط الذين اشتغل معهم ثم استشهاده….كما أملك وثيقة من أرشيف الجيش الفرنسي بباريس تذكره بالاسم وتذكر منطقتنا البدوية وتصفه بأنه من المطلوبين الخارجين عن القانون.
المهم عمر أبي صار 84 سنة.. سأحتفل هذا المساء.