قال أستاذ التاريخ حاجي نسيم أن الثامن ماي الذي يحتفل فيه العالم بذكرى انتصار دول الحلفاء بزعامة فرنسا على دول المحور بقيادة ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية 1939/ 1945 ، يسترجع فيه الشعب الجزائري ذكرى الخيانة الفرنسية التي أدت إلى مذبحة شعبية راح ضحيتها أزيد من 45 ألف شهيد.
كان الشعب الجزائري ينتظر بلهفة انتصار قوات الحلفاء على النازية إيمانا منهم أن فرنسا الاستعمارية ستفي بوعدها بمنح الجزائر الحق في حكم نفسها بنفسها دون تدخل أجنبي في شؤونها الداخلية والخارجية نتيجة الدعم العسكري الذي قدمته لها في حربها ضد النازيين .
وأمام رغبة هذا الشعب وإلحاحه على الانفصال وتقرير مصيره التف حول حركة وطنية كان لها الفضل في بلورة الوعي الوطني فبعد أن حُلت جل الأحزاب السياسية ، عادت هذه الحركة لممارسة النشاط السياسي والضغط على فرنسا في حركة أطلق عليها ” أحباب البيان والحرية ” لتنسيق العمل وتكوين جبهة موحدة حيث وضعت على طاولة فرنسا مطالب قوية رفضت من خلالها كل الإصلاحات الفرنسية التي لا تلبي ولا تحقق للجزائريين طموحاتهم المشروعة في الحرية والتقدم .
بعد تنامي نشاط الحركة والتجاوب الشعبي الكبير عملت فرنسا على انتهاج أسلوب الاستفزاز والمناورة لإيجاد مبرر للقمع وبث التفرقة في صفوف هذا التجمع الذي استمد قوته من حزب الشعب الجزائري كقوة محركة لهذه الحركة ، وكان انشغالهم في تحرير بلدهم “فرنسا” أدى إلى كتمان غضبهم وظلوا يتحينون الفرص وكانوا يؤمنون بضرورة القضاء على الحركة الوطنية التي شكلت خطرا على إدارة الاحتلال .
في الفاتح من شهر ماي عام 1945 نظمت حركة أحباب البيان والحرية مظاهرات سلمية تندد بالقمع الاستعماري وشرعية الشعب الجزائري في تقرير مصيره عبر التراب الوطني في الجزائر العاصمة سطيف وهران بجاية تلمسان مليانة قسنطينة مستغانم قالمة سوق اهراس باتنة سكيكدة عنابة تبسة شرشال سوق اهراس سور الغزلان .
حاولت فرنسا استفزاز المتظاهرين كما أطلقت النار عليهم في الجزائر العاصمة أين استشهد مناضلين وأصيب العديد واعتقل الكثير منهم ، رغم ذلك لم تنطفئ النار وتواصلت المظاهرات وهكذا كانت الأجواء مشحونة منذ الفاتح ماي وكانت فرنسا تدري مدى خطورة الموقف خاصة بعد رفع شعارات تحرير مصالي الحاج الأب الروحي للتيار الاستقلالي و شعارات تطالب فيها بتقرير المصير.
في الثامن ماي خرج الشعب الجزائري والأعلام الوطنية ترفرف في سماء الجزائر للتعبير عن مشاعرهم الوطنية وطموحهم في تقرير المصير لكن فرنسا كان لها رأي أخر فبدل الاعتراف بالجزائر دولة مستقلة أَظهرت نواياها الحقيقية ففي مدينة سطيف سقطت نذكر الشهيد البطل بوزيد سعال الذي رفض الإنصياغ لأوامر محافظ الشرطة الذي طلب منه تسليم الراية الوطنية وإنزالها فبعد رفضه أطلقت الشرطة الرصاص و أردته قتيلا ، وتوج هذا اليوم بخيبة أمل ومجازر رهيبة تفنن فيها المستعمر في التنكيل والقتل و التعذيب في مذبحة راح ضحيتها أزيد من 45 ألف مواطن .
ولازالت إلى يومنا هذا الشواهد على وحشية فرنسا وهمجيتها التي لم ترحم فيها الشيخ المسن ولا الطفل الصغير ولا المرأة وحتى إن تخلصت فرنسا من حركة أحباب البيان والحرية يومين بعد مظاهرات الثامن ماي عام 1945 إلا أن روح المقاومة لدى الشعب الجزائري لم ينته وإنما وضحت الطريق للجميع و جعلها بداية مرحلة جديدة وإعادة النظر في الإستراتيجية وفي وسائل العمل والكفاح للمرحلة المقبلة التي توجت باستقلال الجزائر بعد حرب عظمى كانت كرد فعل على هذه المجازر .
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار الذين سقوها بدمائها لتنتعش وتبقى حرة أبية .