،ونقول بأعلى صوتنا أن فيها دروس وعبر ولم نعتبر ولم نستفد منها اجتماعيا ، أو سياسيا في تسييرنا للأزمات الكبيرة ومواقفنا في الملمات .
نقول دائما أن رمضان شهر الطعات والقربات، وهو أيضا شهر الفتوحات والانتصارات، ففيه غزوة بدر ، و في هذا الشهر الفضيل أيضا مناسبة عظيمة تتعلق بسيرة نبينا الكريم، عليه أفضل الصلاة و أزكى التسليم، ألا و هي
فتح مكة، البلدالأمين، مسقط رأس النبي الأمين، التي أخرج منها مضطهدا مطاردا، غير أن إرادة الجبار تحققت ومن أصدق من الله قيلا، قال تعالى :” إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد “ و كتب الله لرسوله الكريم من خلال هذا الفتح المبين دخول مكة منتصرا مظفرا،
السبب المباشر لفتح مكة كما هو معروف في كتب السير :
حيث وقعت هذه المعركة في العام الثامن من بعثة الرّسول الأعظم وتحديداً في العشرين من شهر رمضان المبارك، وفتح المسلمون وكان سبب الفتح الأعظم
هوعقد الرّسول الكريم محمّد هو والمسلمون صلحاً مع عدوّهم اللدود قريش، وعرف تاريخيّاً بصلح الحديبية في العام السادس من الهجرة النبوية الشريفة إلى المدينة المنورة، وهذا الصلح تم عندما همَّ الرسول وأصحابه بأداء العمرة في مكّة المكرمة في هذا العام، حيث اعترضتهم قريش ومنعتهم من دخول مكة لأداء العمرة، ولم
يكن الرسول ولا المسلمون قد استعدّوا لخوض الحرب، فقد خرجوا بملابس الإحرام ومعهم المؤونة كأيّ مسافر عادي بعض السلاح البسيط جداً لزوم الرحلة آنذاك، إلّا أنّ قريش اعتبرت قدوم الرسول بهذه الطريقة هو بمثابة
تحدٍّ لهم أرسلت قريش للرسول بعد عدد من المحاولات المفاوض الكبير سهيل بن عمروالّذي فاوض رسول الله وعقد معه صلح الحديبية؛ حيث نصّ هذا الصلح
على أن يرجع المسلمون في هذا العام ويعودوا للعمرة في العام القادم، بالإضافة إلى فترة هدنة بين قريش والمسلمين مدّتها 10 سنوات، كما أنّ قريش اشترطت على الرسول أن تأخذ كلّ من يأتيها مرتدّاً من المسلمين، وأن لا يقبل المسلمون أيّ شخص يأتي مسلماً من قريش ويردّوه إليهم، واتّفق الطرفان أيضاً على أن يدخل من يشاء من العرب في حلف الرسول وأن يدخل من
يشاء من العرب في حلف قريش، فدخل بنو بكر في حلف قريش، في حين دخلت خزاعة في حلف الرسول الأعظم والمسلمين. كان بين هاتين القبيلتين عداوة قديمة
وتباغض يعود في أصوله إلى زمن الجاهلية، واستمر هذا التباغض إلى وقتٍ متأخّر، فبعد أن دخلت كلّ قبيلة في حلف طرف من أطراف صلح الحديبية قامت جماعة من بني بكر –حلفاء قريش- بمعاونة نفر من قريش وبسلاح قرشيّ أيضاً بالإغارة على خزاعة في الليل في شهر شعبان من العام الثامن من الهجرة، فقتلوا منهم من قتلوا من الرّجال.فخرج رجال من خزاعة وقدموا إلى الرسول
الأعظم في المدينة المنوّرة وأخبروه بما حصل لهم من غدر قريش وحلفائهم بهم، ممّا دفع بالرّسول إلى تجهيز جيش لفتح مكّة المكرّمة بسبب نقض قريش
لعهدهم الّذي عاهدوه، وهذا هو سبب فتح مكّة العظيم.
أبعاد المصالحة والتسامح النبوي في فتح مكـــــــة …!
والحديث عن هذه الواقعة الجليلة يطول، لكن نقف عند بعد اجتماعي ظهرت فيه المصالحة بمفهومها الحديث وظهرت المعاني السامية في تسامع الني صلى الله
عليه وسلم قبل الفتح وأثناء الفتح وبعد الفتح أما قبل حادثة الفتح فيروي لنا أهل السير قصة الصحابي الجليل حاطب بن أبي بلتعة .. روى البخاري بسنده عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم أنا والزبير والمقداد بن الأسود
قال:“انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ –مكان- فإن بها ظعينة –أي أمة – ومعها كتاب فخذوه منها”، فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة فإذا نحن بالظعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب، فقالت: ما معي من كتاب، فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه و سلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله
عليه و سلم فقال رسول الله :صلى الله عليه و سلم “يا حاطب ما هذا”، قال: يا رسول الله لا تعجل علي، إني كنت امرأ ملصقًا في قريش ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم
وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدًا يحمون بها قرابتي، وما فعلت كفرًا ولا ارتدادًا ولا رضًا بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : “لقد صدقكم”، قال عمر: يا رسول
الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، قال: “إنه قد شهد بدرًا وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدرفقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم”..ما أجمل هذا الموقف، و ما أكرم صاحبه.هذا الصحابي الجليل يخطئ و أي خطأ (تجسس لصالح العدو، إفشاء أسرارالدولة) بالمفهوم المعاصر ..و لكن الوقفة هنا مع حبيبنا صلى الله عليه وسلم الذي ذكره بخير، و جعل سابقته في الاسلام تشفع
له، فليس من أخطأ من الناس تمحى حسناته على كثرتها، و لا يذكر إلا بزلة واحدة ..فعفا عنه الرسول الكريم ….فهو عفو قبل الخروج للفتح. و في أثناء الفتح المبين جاء أبو سفيان مع العباس إلى رسول الله (، فلما رآه الرسول ( قال: “ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله
إلا الله؟”. قال: بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك! والله لقد ظننتُ أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عني شيئًا بعد.
فقال رسول الله (: “ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟” قال: بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك، أما هذه والله فإن في النفس منها حتى الآن شيئًا. فقال العباس: ويحك، أسلم وأشهد أن لا إله
إلاالله، وأن محمداً رسول الله قبل أن تضرب عنقك. فشهد أبو سفيان شهادة الحق و اسلم ..فهذا كبير قريش يعفو عنه الرسول الكريم ….فهو عفو أثناء الفتح .و لما دخل رسولنا الكريم مسقط راسه فاتحا محررا، انتظره القوم
الذين آذوه و ظلموه، و عذبوه و طردوه، الذين قتلوا أصحابه و أخرجوهم من ديارهم بغيرحق الا أن يقولوا ربنا الله …ما كان منه إلا أن عفا عنهم :” اذهبوا فأنتم الطلقاء “ عفو عام يقول “ومن هنا ظهرت أخلاق النبوة في تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم في
أعقاب فتح مكة تدل على أنه نبي مرسل. فقد أبدى رحمة وشفقة على مواطنيه برغم أنه أصبح في مركز قوي. ولكنه توّج نجاحه وانتصاره بالرحمة
والعفو”فأي خلق رفيع، عاش به نبينا الكريم، عفو و رحمة و صدق رنا حين قال:” ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم و استغفر لهم…”،ما أجمل الدروس النبوية لو نكون بها عاملين وبنبينا مقتدين ونصلح ذات
بيننا اللهم اصلح ذات بيننا أنت نعم المولى ونعم النصير ,,
بقلم/الأستاذ:قسول جلول
إمام مسجد القدس حيدرة