أسالت قضية قتل البنت شيماء هذه الايام الكثير من الحبر في وسائل الاعلام المختلفة حيث أعطي لها حيزا هاما من الاهتمام خصوصا وأن البنت البريئة قتلت بصورة بشعة أشبه بالخرافة وأفلام “هيتشكوك” وبالتالي كانت الفاجعة كبيرة عند سماع الخبر .
ومما زاد الاهتمام بقضية “شيماء ” التي استهدفت كبدا من أكبادنا وقرة أعين من أعيننا هو أن الائمة عبر مختلف الفضاءات المختلفة ووسائل التواصل الإجتماعي وقفوا وقفة واحدة للتعبير عن إنكارهم لهذا الفعل الدنيىء، في وقت أبدع المواطنون في البحث عن الطريقة التي يعبرون بها عن ردة فعلهم إزاء هذه الجريمة التي تقشعر منها الأبدان وتتفطر معها القلوب السلمية فمنهم من راح يحمل السلطات المسؤولية المحلية ومنهم من أراد تمرير رسائل حزبية ومنهم من حث على الانتقام ومنهم طلب القصاص ومنهم ومنهم …
ومن جانبهم ،يعلم الأئمة أن ما وقع أمر جلل تهتز له النفوس وتتألم لسماعه القلوب كيف لا وهو حديث عن جريمة شنعاء تطرد من رحمة الله وتوجب لعنته وغضبه مبدين إنكارهم وتأسفهم في عصر أصبحنا نسمع بوقوعها كل يوم إنها جريمة القتل .
إنها ظاهرة خطيرة جدا لا بد أن تتضافر جهود الأمة كلها في التصدي لها والقضاء عليها في مهدها لئلا يستفحل أمرها وينتشر شرها لأنها جريمة إزهاق النفس التي حرم الله إلا بالحق التي أصبحنا نسمع بوقوعها كل يوم
( وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) .
ونحن المسلمون جسد واحد إذا تألم منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
ولبيان عظم هذه الجريمة وخطورتها قرنها الله تعالى بجريمة الشرك (الذي هو أكبر الكبائر ) فقال تعالى: ”( وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ الها ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقّ “) وقال _ صلى الله عليه وسلم (لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ’)”.
وأن الله قد رتب على قتل النفس المعصومة عقوبات في الآخرة وعقوبات في الدنيا،أما عقوبات الآخرة فمنها ما بينه الله تعالى بقوله : ((وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً)) ،
وبالتالي فهذه أربع عقوبات أعدها الله للقاتل كل واحدة منها ترعب القلوب وتزهق النفوس ولو انغمست في نعيم الدنيا أما العقوبة الأولى فهي جهنم خالداً فيها والعقوبة الثانية أن الله تعالى يغضب عليه وكفى بذلك نقمة والعقوبة الثالثة هي اللعنة أي الطرد من رحمة الله ورضوانه والعقوبة الرابعة أن الله َأَعَدَّ ( أي هيأ ) للقاتل عَذَاباً عَظِيماً ،في حين أكد أن عقوبة القاتل في الدنيا فهي القصاص كما أخبر سبحانه و تعالى (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حياةٌ يأُولِي الالْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة:179. فالقاتل عمدا يجب أن يقتل كما قتل غيره و لاجزاء له إلا هذا .
*جرائم القتل …اختلال في العقل*
ولعل الأسباب التي أدت إلى ظاهرة القتل في صفوف شبابنا و الأطفال انتشار آفة المخدرات التي تفشت في وطننا وانتشرت بين أبنائنا وبناتنا ومتى أدمن الشخص على هذه الآفة أصبح يفعل كل شيء في سبيلها ولا يبالي بارتكاب أية جريمة من اجل الحصول عليها لأنه صار عنده اختلال في العقل ولذا الشريعة حرمت كل ما يفسد العقول.
وأن من جملة الأسباب أيضا إهمال الآباء والأمهات لتربية أولادهم فلا هم يراقبون تصرفاتهم وسلوكاتهم و لاهم يلقنوهم التربية الصالحة التي تجعل منهم أفراد صالحين نافعين .
فهاهم أولادنا قد تكون منهم جيلا منحرفا يتعاطى المخدرات ويفعل المنكرات و يسرق ويزني ويخطف ويقتل ويدمر وبالتالي لا جرم أن الأولياء عن أولادهم لمسؤولون فكلما جنى أولادهم جرما لحقتهم اللعنة والآثام لأن الله تعالى كما يحاسب المجرمين المعتدين فهو يحاسب أيضا المفرطين المهملين وفي الحديث:”كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته “.
*تقوى الله كفيلة للقضاء على المظاهر الاجتماعية الخطيرة
فإذا أرادت مجتمعنا أن يقضي على هذه المظاهر الخطيرة فعليه أن يتقي الله عز وجل ويستعين به ويتبع الخطوات الآتية أولا : أن نربي أولادنا و نزرع في قلوبهم خوف الله والانقياد لأوامره والوقوف عند حدوده فينشأ أولادنا معظمين لما عظم الله فيعظمون حرمة النفس التي حرم الله والتي هي أشد حرمة من حرمة بيت الله الحرام ويقفون عند أمر الله ونهيه فلا يزهقون نفساً حرمها الله ولا يتعدون حداً حده الله ولهذا فهي مسؤولية ينبغي أن تتضافر جهود الجميع في محاربة آفة العصر(المخدرات )
المساجد ، المؤسسات التربوية ، الأســر ، رجال الأمن …جهات معنية
المجتمع كله _ لا بد أن يتعاون الجميع في التصدي لهذه الآفة لأنها من أبرز أسباب ظهور الاختطاف والقتل في بلادنا وينبغي أن يطبق على مروجيها حكم الحرابة الذين قال الله فيهم : ” إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ “)
*الاسلام أمر بالمحافظة على النفس البشرية صغيرة او كبيرة
فعندما يحل بنا أمر مثل هذا نتوجه إلى حكم ربنا وما بيّنه نبينا وأنتم تعرفون كما يعرف المسلمون أن الإسلام أمر بالمحافظة على النفس البشرية صغيرة أو كبيرة حتى ولو في بطن أمه …. ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلابالحق….وإذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت وحرم الاعتداء على نفسه لأنها ليست ملكه (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) وقوله (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)…..ثم أن الاسلام وضع قوانين وعقوبات لاجتثاث العنف من أساسه فجعل عقوبة القتل وعقوبة السرقة وعقوبة الاعتداء على الأعراض وأرواح ودماء الآخرين وحذر من الآفات التي تؤدي إلى العنف والإجرام بالأفعال السيئة تنتج كل فعل ذميم من قتل واعتداء وظلم. لأنها مجلبة لكل مفسدة وأمرنا بالتحلي بالأخلاق التي تضمن سلامتنا وسلامة أبنائنا من كل مكروه بل ومحاربتها بماذا…. بتقوية خلق المحبة الذي هو صمام الأمان لنشر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأسلوب اللين والحكمة)…..وخالق الناس بخلق حسن.
بقلم الأستاذ قسول جلول باحث وأمام مسجدالقدس بلدية حيدرة