بدعوة من نادي البيان ، وبتنسيق مع الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية فرع معسكر ، وتحت اشراف مديرية الثقافة لولاية معسكر ، القى صباح السبت الماضي 17 فبراير 2018 ،على الساعة العاشرة ، البروفيسور عمر بوساحة محاضرة تحت عنوان ” الفن الاسلامي واقع وتأويلات ” وذلك بقاعة المحاضرات لدار الثقافة أبي راس الناصري .
نشط هذا اللقاء البروفيسور بشير خليفي ، استاذ الفلسفة بجامعة معسكر ورئيس فرع الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية لولاية معسكر ، الذي رحب بالسادة الحضور الذين حضروا من عدة جهات وجامعات من الوطن على غرار أعضاء من الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية فرع ولاية غليزان ، كما رحب بالمحاضر وشكره على تلبية الدعوة وتجشمه عناء السفر من العاصمة إلى معسكر ، مقدما سيرته العلمية مختصرة في مايلي :
– هو خريج جامعة الجزائر ودمشق .
_ أستاذ الجماليات بجامعة الجزائر .
_ رئيس مخبر الجماليات بنفس الجامعة .
_ رئيس الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية.
ثم أعطيت الكلمة للمحاضر الذي شكر في بداية محاضرته نادي البيان على نشاطاته الثقافية التي ينظمها بمدينة معسكر التي وصفها بالمدينة المثقفة وعلى رأسه الأستاذ عبد الحميد سي ناصر .
بعد ذلك ، دخل المحاضر مباشرة في صلب الموضوع واصفا مجال الفن الاسلامي بالمجال الواسع ، فبعد مرور 30 سنة من التدريس في هذا المجال مازلت في مرحلة الدراسة والقراءة ولم اقدم الحقائق يقول المحاضر .
عرف البروفيسور عمر بوساحة الفن بأنه تقليد لما يوجد في الطبيعة خدمة للمجتمع أي أن يكون ملتزما . وهذا التعريف قال به الفلاسفة المسلمون .
وبالتالي فالفن الاسلامي فن تجريدي ، مثل فن الزخرفة . وذلك لأسباب متعددة .منها موقف الدين الاسلامي من النحت والفنون التشكيلية بصفة عامة والفنون اللغوية مثل الشعر .فبسبب موقف الدين الاسلامي من الفن اتجه هذا الأخير إلى التجريد .فهو فن لا يجسم ، ثم طرح المحاضر سؤالا جوهريا مفاده هل هناك نظرية فلسفية تقف وراء الفن الاسلامي ؟ هناك فكر نقدي بشكل عام وفلسفي على الخصوص ذهب إلى هذا الاتجاه بالاضافة إلى أسباب أخرى ، مالفائدة من الفن التجريدي ؟ الفن يخدم قضايا المجتمع .كيف استقبل المستشرقون هذا التجريد وكيف وصفوه للغرب في جانبه الفلسفي والجمالي ؟.
فكتاب فن الشعر لأرسطو كان الأرضية للفكر الجمالي عند المسلمين .فالنظرية الارسطية في الفن تقوم على المحاكاة .فالشاعر يقدم لنا الحياة .
وعلى هذ الأساس الفن محاكاة ، فهو يقوم بدور اجتماعي ( تعليمي ، توجيهي وأخلاقي ) ، تمثيل وتصوير الفضيلة .مثلا فن التراجيدية يقدم الشر على أنه غير مرغوب فيه ويجب الابتعاد عنه ، وهذا لم نجده في الشعر العربي الجاهلي .لأنه كان غنائيا يتكلم عن الذوات (المدح والهجاء ) ، وليس كالكوميدية والتراجيدية. وأحسن مثال على ذلك الشعر العربي الغنائي شعر المتنبي .
هل وقف الاسلام ضد الفن ؟
تكلم القرآن في صورة المائدة عن الفنون ( النحت ، الشعر )فالأنصاب لم تكن صناعة عربية . فالحياة العربية قبل الاسلام لم تكن مستقرة فالانصاب جاءت من خارج المنطقة العربية . فعمر بن لحي الخزاعي جلب الاصنام من بلاد الشام ووضعها حول الكعبة . فالانصاب التي تكلم عنها الاسلام تلك المخصصة للعبادة فكل الاديان تستبعد الأنصاب بسبب انها تدعوا إلى الشرك وليس موقفا من الفن التشكيلي ، هناك أحاديث نبوية كثيرة تستبعد التصاوير لأنها تؤدي إلى الشرك .
لقد وضع الفنانون المسلمون ، عند صك العملة صورا لشخصيات سياسية ولحيونات ولم يقصد الاسلام ابطال هذا الشكل من الفنون ؟
ففي ميدان الشعر ،وردت الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تنفي الشعر عن الرسول (ص) والدفاع عن الرسالة المحمدية والرد على الشعراء الذين حاربوا الاسلام واسمائهم معروفة على رأسهم النظر بن الحارث .مؤكدة بأن الرسول ليس بشاعر وأن ماتقدم به الشعراء المعادين له لم يقدموا شيئا جديدا بدل الرسالة المحمدية .كان الرسول (ص) يذكر شعر عنترة وقد أعطى بردته للشاعر كعب بن زهير عن قصيدة بانت سعاد رغم مقدمتها الغزلية، فالرسول (ص) لم يكن ضد الشعر .
أما الاحاديث التي وردت بشأن الشاعر امرؤ القيس فأشعار هذا الأخير لا تتمشى مع الشكل الذي دعى إليه الاسلام في الشعر والفن .فهو شاعر اباحي ، يجانب شعره الذوق الانساني السليم . كما هو الحال الآن عندنا في الغناء . فالشعر مرتبط بالموسيقى. لقد جاءت كتابات إخوان الصفا والفرابي ناهية عن هذه الأشكال من الموسيقى والشعر التي تتنافى مع الذوق الانساني .
فالفرابي في كتابه الموسيقى يتكلم عن صناعة الألحان ويحث على أن تكون خادمة للانسان وذوقه وأخلاقه .
والاسلام ،يقول المحاضر ،عموما ، لم يكن ضد الفنون على الاطلاق وانما ضد الفنون التي تضر بالذوق و التي هي فقط مجون وانحرافات. فالاسلام جاء لتأسيس ذوق سليم .
بعد أن تكلم المحاضر عن الفن الاسلامي الذي يتميز بالتجريد في الجزء الأول من محاضرته ، بدأ الجزء الثاني منها بطرح هذا السؤال : من اين أتى هذا الفن التجريدي المعبر عن الثقافة الاسلامية ؟
إن الفنون التي بحوزتنا اليوم مع التعديلات التي أدخلت عليها ، إنما أساسها الاول من حضارات أخرى مثل (الفارسية ،السريالية والاشورية ) . لم يكن للمثقف المسلم موقفا محرما لهذا الفن .فموقف التحريم الذي فيه الكثير من الشك ، يقول البروفيسور عمر بوساحة ، فهو الذي أخذ به الكثير من المستشرقين وجهروا به واتهموا الاسلام بأنه ضد الحياة . مثل ماوقع في افغانستان وفي الساحل الافريقي وفي سطيف. ففي نظر الغربين الاسلام هو ضد القيم الحضارية ويعادي كل ماهو جميل .
ان مصادر الفن الاسلامي الاولى نظريات فلسفية وهو ليس فنا دينيا وانما حضاري . فنجد في المسجد مثلا فن يزين فقط ( فن تزيني ) . وهو فن تزين ،صناعة حرفية لتعليم كيف توضع المنمنمات .هو فن تجريدي وابداعي .اما الفن من أجل ذاته يفنى والفن الباقي هو ذلك الفن الذي يحمل القيم الجمالية والانسانية .
في أخير محاضرته ، قال البروفيسور عمر بوساحة بأن هذه التأويلات التي قدمها إنما هي مجموعة من الأفكار التي يمكن اثراءها اثناء المناقشة ، كما ذكر انه لم يتكلم عن العمارة .
لقد تلت هذه المحاضرة مناقشة هادئة زادها ثراءا مداخلة الدكاترة الحضور .
اختتمت هذه المحاضرة بأخذ صورة تذكارية جماعية مع البروفيسور عمر بوساحة.