تقرير:هبة خرسه
بعد ثلاثين عاماً ، من تحرره من سجن “النقب ” الصحراوي ، عاد الصحفي الجريح علي سمودي ، إليه مجدداً ولكن في هذه المرة ليس كأسير ، وإنما لزيارة نجله الطالب في الجامعة العربية الأمريكية الأسير محمد الذي انتزعه الاحتلال من أحضانه فجر يوم 29-1-2019 ، وهو التاريخ الذي يعتبره الوالد السمودي ” حزين ومؤلم وصعب جداً ، فأكثر شيء يكرهه الإنسان في حياته السجن والقيد ، فكيف اذا كان الأسير هو الابن الذي حرمني الاحتلال رؤيته على مدار شهرين قضاها في أقبية التحقيق وزنازين العزل ، ممنوعين من زيارته ولم نعرف سوى الإخبار الشحيحة من خلال المحامي نسيم أبو غوش. بكيت من اعماقي .. في طريق الألم الطويل على مدار 14 ساعة وأكثر لزيارة لا تستغرق سوى 45 دقيقة ، استعاد علي السمودي ، الوالد المحرر والجريح والصحفي المتخصص في قضايا الأسرى منذ ثلاثة عقود كل الصور المخزنة في ذاكرته ، لكنه يشعر اليوم بوجع أكبر باعتقال فلذة كبده والتي يعتبرها ” أصعب من لحظات مطاردتي ثم اعتقالي بل اقسي محطة بحياتي ، فقد شعرت بحزن عندما شاهدتهم يكبلونه ويقيدون يديه أمامي ، ولا أخجل عندما أقول بكيت من أعماقي بمرارة لعجزي عن حمايته وإنقاذه من جحيم السجون وعذابات الأسر التي ما زلت أتذكرها رغم مرور السنوات الطويلة” ،ويكمل ” تلك الآثار التي يصنعها السجن والسجان تلازم الإنسان ما دام حياً ولا يتمنى لأحد أن يتجرع مرارتها ويعيش التجربة ، فكيف اذا كان ابني الذي تحول من طالب علم كان يستعد لفصله الجامعي والتخرج لأسير حرمنا الاحتلال أجمل لحظة انتظرناها ؟. قلم عاجز .. منذ اعتقال ابنه الثالث في عائلته المكونة من 4 أنفار ، لم يتمكن مراسل صحيفة “القدس ” الصحفي علي سمودي ، من الكتابة أو التعبير ، رغم انه يعتبر متخصص في إثارة ومتابعة ملف وقضايا الأسرى ، فمنذ انضمامه لعالم الصحافة والإعلام ، بعد تحرره من سجون الاحتلال عام 1990 ، كرس قلمه وحياته لإبراز وتسليط الضوء على الحركة الأسيرة ، وكل يوم تنشر له صحيفة “القدس” والعديد من وسائل الإعلام والتواصل والمواقع والصحف الجزائرية الكثير من القصص عن الأسرى ، والمكتبة الفلسطينية الخاصة بالحركة الأسيرة ، تشهد و تزخر بالآلاف القصص والحكايا التي كتبها السمودي عنهم حتى حصل على العديد من الأوسمة والنياشين والتكريم مرات عديدة لدوره الإعلامي الرائد في هذا الصدد ، ويقول ” قلمي يعجز ولم أتمكن من التعبير عن مشاعري وغضبي وثورتي لاعتقال ابني رغم اعتزازي بالحركة الأسيرة ونضالاتها ، لا يمر يوم علي دون الكتابة عن الأسيرات والأسرى ، وإيصال صوتهم والتعبير عن أناتهم وعذاباتهم وصمودهم وتجاربهم ، لكن قلمي ما زال مكبلاً عندما يتعلق الموضوع بابني الأسير “، ويضيف ” عندما شاهدت الجنود الملثمين ، يبلغونني باعتقاله ، توقف قلبي ، وتكررت أمامي مشاهد صور تجربة اعتقالي خلال انتفاضة الحجر ، انحسر تفكيري في الم ووجع التحقيق الذي تعرضت له في أقبية سجن الجلمة ، جلسات التحقيق الطويلة ، الضغوط النفسية والجسدية ، منع النوم والطعام ، أوضاع الزنازين القذرة والتي لا تتوفر فيها ابسط احتياجات الإنسان “، ويكمل ” ازدادت معاناتي ووجعي ، عندما علمت من مؤسسة الشكاوي في القدس ، ان الجنود نقلوا ابني لنفس السجن” الجلمة” الذي تعتبر فيه كل ثانية معاناة وعذاب ، تذكرت قساوة الجلادين وأساليبهم لامتهان كرامة الأسير وإذلاله ، فلم انسي احتجازي مع 5 معتقلين في زنزانة لا تتسع لأكثر من شخصين ، دون حرامات وعلى فرشة واحدة وسط البرد الشديد ، والرائحة النتنة بسبب وجود ” كردل ” التبويل معنا “، ويتابع ” أصبحت أسيراً مع ابني محمد الذي انقطعت أخباره على مدار أسبوعين ، كانت بالنسبة لي قرن بأكمله ، لم اعرف طعم النوم وتحولت حياتي لجحيم وشريط الصور يتكرر أمامي ، الصلب في الخزائن ، التحقيق والضغوط ، منع الاستحمام ، الطعام الذي لا تتناوله الحيوانات ، عبارات التهديد والشتائم ، وبعد لقاء ابني الاول ، أبلغني انه تعرض لنفس الصور والمحن التي صمد وتحداها ببطولة وبسالة. عزل وعقاب .. المناضل السمودي ، الذي عاش تجربة المطاردة والملاحقة من الاحتلال الإسرائيلي خلال انتفاضة الحجر ، وتعرض للإصابة والاعتقالات المتتالية ، يصف مرحلة التحقيق التي تعرض لها نجله محمد على مدار شهرين بانها ” جهنم بكل معنى الكلمة ، فقد كان قلبي وروحي وكل مشاعري هناك خاصة عندما علمت بنقله للتحقيق العسكري في سجن “بيتح تكفا” ، فانا الأكثر معرفة بما يمارس من انتهاكات بحق الأسرى هناك ، ولطالما وثقت صور الويلات التي كابدها الأسرى ، فكانت لا تفارقني صور ابني حتى فقدت القدرة على الطعام “، ويضيف ” رغم أحاديث محامي هيئة الأسرى نسيم أبو غوش التي كانت تبعث على الأمل بصمود محمد ، شعرت ان عقارب الساعة توقفت وتمارس بحقنا العقاب كما الجلاد الإسرائيلي ، انحصر تفكيري في البحث عن وسيلة للاطمئنان عن ابني بعد مرور أكثر من شهر على زجه خلف القضبان وقطع طريق جامعته دون معرفة السبب والتهمة ، فابني لم ينتمي لحزب وكل اهتمامه بجامعته وعمله في محلنا الذي كان يمارسه بعد انتهاء دوامه “، ويكمل ” خلال هذه الفترة العصيبة ، مدد الاحتلال توقيف محمد مرات عديدة في محكمة الجلمة الداخلية دون لائحة اتهام ، ولن انسى عندما ابلغني المحامي نسيم أبو غوش ، ان المخابرات عاقبت ابني بالعزل الانفرادي ومنعه من الاستحمام وتغيير ملابسه لمدة اسبوعين ، بعدما اكتشف مسرحية احتجازه مع العصافير الذين اعتدوا عليه بالضرب “، ويتابع ” شعرت بهدؤ وطمأنينة ، عندما اكد المحامي ، أن صحته بخير ومعنوياته عالية وصامد ببسالة ، ونقل رسائل تحية ومحبة من ابني رغم ظروف الاعتقال الصعبة والتحقيق الذي لم يتوقف حتى نقل لسجن مجدو.